الرُّؤْيَا وَتَفْسِيرِهَا، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رُؤْيَا يُوسُفَ وَعِبَارَتِهَا أَرْبَعُونَ عَامًا، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَاهِدًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَزَادَ: وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي أَمَدُ الرُّؤْيَا.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ مُدَّةُ الْمُفَارَقَةِ بَيْنَ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَفِي لَفْظٍ: ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ تِسْعِينَ سَنَةً، وَعَنِ الْكَلْبِيِّ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً قَالَ: وَقِيلَ سَبْعًا وَسَبْعِينَ، وَنَقَلَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَوْلًا: إِنَّهَا كَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمُصَنِّفُ، وَسَقَطَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ الْبَابِ لِلنَّسَفِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَاطِرٌ وَالْبَدِيعُ وَالْمُبْدِعُ وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ وَاحِدٌ) كَذَا لِبَعْضِهِمُ الْبَارِئُ بِالرَّاءِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ وَالْأَكْثَرِ الْبَادِئُ بِالدَّالِ بَدَلَ الرَّاءِ وَالْهَمْزُ ثَابِتٌ فِيهِمَا، وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الصَّوَابَ بِالرَّاءِ وَأَنَّ رِوَايَةَ الدَّالِ وَهْمٌ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَرَدَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ، وَفِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى أَيْضًا الْمُبْدِئُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْعَنْكَبُوتِ مَا يَشْهَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ - ثُمَّ قَالَ -: ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ فَالْأَوَّلُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُبْدِئٌ وَالثَّانِي مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ بَادِئٌ وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا اسْتِطْرَادًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فَأَرَادَ تَفْسِيرَ الْفَاطِرِ، وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ دَعْوَى الْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ الْوَحْدَةَ مَمْنُوعَةٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، كَذَا قَالَ، وَلَمْ يُرِدِ الْبُخَارِيُّ بِذَلِكَ أَنَّ حَقَائِقَ مَعَانِيهَا مُتَوَحِّدَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ إِيجَادُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الْفَرَّاءِ أَنَّ فَطَرَ وَخَلَقَ وَفَلَقَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَبْلَ بَابِ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مِنَ الْبَدْءِ وَبَادِئِهِ) كَذَا وَجَدْتُهُ مَضْبُوطًا فِي الْأَصْلِ بِالْهَمْزِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبِوَاوِ الْعَطْفِ لِأَبِي ذَرٍّ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا تَرَجَّحَتْ رِوَايَةُ الدَّالِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْبَادِئُ وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الْبَدْوِ وَبَادِيَةٍ بِالْوَاوِ بَدَلَ الْهَمْزِ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ فِي بَادِيَةٍ وَبِهَاءِ تَأْنِيثٍ، وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ فَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ بَادِيَةٌ أَيْ جَاءَ بِكَمْ مِنَ الْبَادِيَةِ، وَذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ مِنَ الْبَدْوِ أَيْ قَوْلُهُ: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ أَيْ مِنَ الْبَادِيَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ أَنَّ فَاطِرَ مَعْنَاهُ الْبَادِئُ مِنَ الْبَدْءِ أَيِ الِابْتِدَاءُ أَيْ بَادِئُ الْخَلْقِ، فَمَعْنَى فَاطِرٍ بَادِئٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٧ - بَاب رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿أَسْلَمَا﴾ سَلَّمَا مَا أُمِرَا بِهِ. ﴿وَتَلَّهُ﴾ وَضَعَ وَجْهَهُ بِالْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ ﵇ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَقَطَ لَفْظُ بَابٍ لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ ﷿: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ -: ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ لِلنَّسَفِيِّ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَاتِ كُلَّهَا. قِيلَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ نَذَرَ إِنْ رَزَقَهُ اللَّهُ مِنْ سَارَّةَ وَلَدًا أَنْ يَذْبَحَهُ قُرْبَانًا فَرَأَى فِي الْمَنَامِ أَنْ أَوْفِ بِنَذْرِكَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِإِسْحَاقَ انْطَلِقْ بِنَّا نُقَرِّبْ قُرْبَانًا وَأَخَذَ حَبْلًا وَسِكِّينًا ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ