وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَقْدِ الشَّيْءِ وَإِحْكَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْقَوْلُ الْأَخِيرُ قِيلَ هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، لَكِنْ يَخْتَلِفُ الْقِنْطَارُ فِي الْبِلَادِ بِاخْتِلَافِهَا فِي قَدْرِ الْوُقِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ) سَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَفِي هَذَا الْأَثَرِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ التَّزْيِينِ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ، وَأَنَّ تَزْيِينَ ذَلِكَ بِمَعْنَى تَحْسِينِهِ فِي قُلُوبِ بَنِي آدَمَ وَأَنَّهُمْ جُبِلُوا عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا طُبِعَ عَلَيْهِ مَنْ ذَلِكَ وَانْهَمَكَ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْمُومُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَاعَى فِيهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَوَقَفَ عِنْدَ مَا حُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ فَهَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الذَّمُّ، وَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَقَى عَنْ ذَلِكَ فَزَهِدَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ مَعَ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ عُمَرَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ.
وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى بِمَالٍ مِنَ الْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهُ: نَفْلُ كِسْرَى، فَأَمَرَ بِهِ فَصُبَّ وَغُطِّيَ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَكُشِفَ عَنْهُ فَإِذَا حُلِيٌّ كَثِيرٌ وَجَوْهَرٌ وَمَتَاعٌ، فَبَكَى عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ ﷿ فَقَالُوا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ هَذِهِ غَنَائِمُ غَنِمَهَا اللَّهُ لَنَا وَنَزَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ: مَا فُتِحَ مِنْ هَذَا عَلَى قَوْمٍ إِلَّا سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُمْ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ مَنَاطِقُ وَخَوَاتِمُ فَرُفِعَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ: حَتَّى مَتَى تَحْبِسُهُ لَا تُقَسِّمُهُ؟ قَالَ: بَلَى إِذَا رَأَيْتَنِي فَارِغًا فَآذِنِّي بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ فَارِغًا بَسَطَ شَيْئًا فِي حُشِّ نَخْلَةٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فِي مِكْتَلٍ فَصَبَّهُ، فَكَأَنَّهُ اسْتَكْثَرَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ قُلْتَ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ فَتَلَا الْآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نُحِبَّ مَا زَيَّنْتَ لَنَا، فَقِنِي شَرَّهُ وَارْزُقْنِي أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّكَ، فَمَا قَامَ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى الْمَدَنِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ، وَهَذَا مَوْصُولٌ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعْفٌ، وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ: فَمَا رَامَ حَتَّى قَسَمَهُ، وَبَقِيَتْ مِنْهُ قِطَعٌ، وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ يَتَزَيَّنَ لَنَا مَا زَيَّنْت لَنَا، وَالْبَاقِي نَحْوُهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ قِصَّةً أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ - رُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِي يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ) فَاعِلُ قَالَ أَوَّلًا هُوَ النَّبِيُّ ﷺ وَالْقَائِلُ رُبَّمَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدَايِنِيِّ رَاوِيهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَالْقَائِلُ قَالَ لِي هُوَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ صَحَابِيُّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَحَكِيمٌ بِالرَّفْعِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مُنَادًى مُفْرَدٌ، حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ حَكِيمًا قَالَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، لِأَنَّ بَيْنَ وَفَاةِ حَكِيمٍ وَمَوْلِدِ سُفْيَانَ نَحْوَ الْخَمْسِينَ سَنَةً، وَلِهَذَا لَا يُقْرَأُ حَكِيمٌ بِالتَّنْوِينِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ مَرَّةً بِلَفْظِ: ثُمَّ قَالَ؛ أَيِ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ، وَمَرَّةً بِلَفْظِ: ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ إِلَخْ، وَقَدْ وَقَعَ بِإِثْبَاتِ حَرْفِ النِّدَاءِ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ: فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ إِلَخْ فِي بَابِ: الِاسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ: وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى فِي بَابِ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: بُورِكَ لَهُ فِيهِ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَفِيهِ مَقَالٌ.
١٢ - بَاب مَا قَدَّمَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute