عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَقَأَ الدَّمُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ حَرْقِ الْحَصِيرِ) كَذَا لَهُمْ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ التِّينِ، فَقَالَ: وَالصَّوَابُ إِحْرَاقُ الْحَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْرَقَ، أَوْ تَحْرِيقُ مِنْ حَرَّقَ، قَالَ: فَأَمَّا الْحَرْقُ فَهُوَ حَرْقُ الشَّيْءِ يُؤْذِيهِ.
قُلْتُ: لَكِنْ لَهُ تَوْجِيهٌ، وَقَوْلُهُ: لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: مَجَارِي الدَّمِ، أَوْ ضَمَّنَ سَدَّ مَعْنَى قَطَعَ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُفْعَلُ لِلضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ يَقُولُ: وَدِدْنَا لَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ الْحَصِيرَ مِمَّا كَانَ لِنَتَّخِذَهُ دَوَاءً لِقَطْعِ الدَّمِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَدْ زَعَمَ أَهْلُ الطِّبِّ أَنَّ الْحَصِيرَ كُلَّهَا إِذَا أُحْرِقَتْ تُبْطِلُ زِيَادَةَ الدَّمِ، بَلِ الرَّمَادُ كُلُّهُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الرَّمَادَ مِنْ شَأْنِهِ الْقَبْضُ، وَلِهَذَا تَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ: التَّدَاوِي بِالرَّمَادِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّ قَطْعَ الدَّمِ بِالرَّمَادِ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْحَصِيرُ مِنْ دِيسِ السُّعْدِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِالْقَبْضِ وَطِيبِ الرَّائِحَةِ، فَالْقَبْضُ يَسُدُّ أَفْوَاهَ الْجُرْحِ، وَطِيبُ الرَّائِحَةِ يَذْهَبُ بِزَهَمِ الدَّمِ، وَأَمَّا غَسْلُ الدَّمِ أَوَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِذَا كَانَ الْجُرْحُ غَيْرَ غَائِرٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ غَائِرًا فَلَا يُؤْمَنُ مَعَهُ ضَرَرُ الْمَاءِ إِذَا صُبَّ فِيهِ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ: الرَّمَادُ فِيهِ تَجْفِيفٌ وَقِلَّةُ لَذْعٍ، وَالْمُجَفَّفُ إِذَا كَانَ فِيهِ قُوَّةُ لَذْعٍ رُبَّمَا هَيَّجَ الدَّمَ وَجَلَبَ الْوَرَمَ. وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَحْرَقَتْ لَهُ - حِينَ لَمْ يَرْقَأْ - قِطْعَةَ حَصِيرٍ خَلِقٍ فَوَضَعَتْ رَمَادَهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ، وَهُوَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي غَسْلِ فَاطِمَةَ وَجْهَ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الدَّمِ لَمَّا جُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ، فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فَرَقَأَ بِقَافٍ وَهَمْزَةٍ، أَيْ: بَطَلَ خُرُوجُهُ، وَفِي رِوَايَةِ: فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ.
٢٨ - بَاب الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
٥٧٢٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ.
قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ.
٥٧٢٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ "أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ﵄ كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتْ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ".
٥٧٢٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ".
٥٧٢٦ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: "الْحُمَّى مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ".
قَوْلُهُ: (بَابُ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ رَافِعٍ آخِرَ