عَلَيْهِمْ﴾ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَمْتَثِلُ فِيهِ أَمْرَ اللَّهِ مِنَ الشِّدَّةِ. وَذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا ذَكَرَ غَضَبَ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ مَرْجِعُهَا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَأَظْهَرَ الْغَضَبَ فِيهَا لِيَكُونَ أَوْكَدَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْقِرَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي اللِّبَاسِ، وَيَسَرَةُ شَيْخُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَالْمُهْمَلَةِ.
الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النُّخَامَةِ فِي الْقِبْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: حِيَالَ وَجْهِهِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ أَيْ تِلْقَاءَه.
الرَّابِعُ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي اللُّقَطَةِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ.
الْخَامِسُ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُجَيْرَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ، وَحُجَيْرَةٌ تَصْغِيرُ حُجْرَةٍ بِالرَّاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ رِوَايَةٌ بِالزَّايِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ، وَالْخَصَفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٌ: مَا يُتَّخَذُ مِنْ خُوصِ الْمُقْلِ أَوِ النَّخْلِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَقَالَ الْمَكِّيُّ هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِهِ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، عَنِ الْمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِتَمَامِهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ شَيْخُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ هُوَ الزِّيَادِيُّ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ الْكَلَابَاذِيُّ: أَخْرَجَ لَهُ شِبْهَ الْمَقْرُونِ! وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى لَهُ اسْتِشْهَادًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ الْبُخَارِيِّ بِقَلِيلٍ، مَاتَ فِي حُدُودِ الْخَمْسِينَ وَيُقَالُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي حَوَاشِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى لَفْظِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ.
وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مُغْضَبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَضَبَهُ لِكَوْنِهِمُ اجْتَمَعُوا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمْ، بَلْ بَالَغُوا فَحَصَبُوا بَابَهُ وَتَتَبَّعُوهُ، أَوْ غَضِبَ لِكَوْنِهِ تَأَخَّرَ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا تُفْرَضَ عَلَيْهِم وَهُمْ يَظُنُّونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا صَلَاةُ النَّافِلَةِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فِي بَيْتِهِ مِنْ فَرِيضَةٍ، وَزَيَّفَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٧٦ - بَاب الْحَذَرِ مِنْ الْغَضَبِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
٦١١٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ.
٦١١٥ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ. فَقال النبي ﷺ: "إِنِّي لَاعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". فَقَالُوا