للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ: الْكَفَنُ.

قَوْلُهُ: (لِلْمُهْلَةِ) قَالَ عِيَاضٌ: رُوِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا. قُلْتُ: جَزَمَ بِهِ الْخَلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ بِالْكَسْرِ: الصَّدِيدُ، وَبِالْفَتْحِ: التَّمَهُّلُ، وَبِالضَّمِّ: عَكَرُ الزَّيْتِ. وَالْمُرَادُ هُنَا الصَّدِيدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا هُوَ أَيِ: الْجَدِيدُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُهْلَةِ عَلَى هَذَا التَّمَهُّلِ، أَيْ إِنَّ الْجَدِيدَ لِمَنْ يُرِيدُ الْبَقَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَبْطَةٍ بَيْضَاءَ، وَرَبْطَةٍ مُمَصَّرَةٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَفِيهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ. وَلَهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: إِنَّمَا هُوَ لِلْمَهْلِ وَالتُّرَابِ. وَضَبَطَ الْأَصْمَعِيُّ هَذِهِ بِالْفَتْحِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّكْفِينِ فِي الثِّيَابِ الْبِيضِ، وَتَثْلِيثِ الْكَفَنِ، وَطَلَبِ الْمُوَافَقَةِ فِيمَا وَقَعَ لِلْأَكَابِرِ تَبَرُّكًا بِذَلِكَ (١). وَفِيهِ جَوَازُ التَّكْفِينِ فِي الثِّيَابِ الْمَغْسُولَةِ، وَإِيثَارِ الْحَيِّ بِالْجَدِيدِ، وَالدَّفْنِ بِاللَّيْلِ، وَفَضْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَصِحَّةُ فِرَاسَتِهِ، وَثَبَاتُهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ. وَفِيهِ أَخْذُ الْمَرْءِ الْعِلْمَ عَمَّنْ دُونَهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ التَّكْفِينَ فِي الثَّوْبِ الْجَدِيدِ وَالْخَلَقِ سَوَاءٌ. وَتُعُقِّبَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَارَهُ لِمَعْنًى فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ.

٩٥ - بَاب مَوْتِ الْفُجَاءَةِ الْبَغْتَةِ

١٣٨٨ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ : إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.

[الحديث ١٣٨٨ - طرفه في: ٢٧٦٠]

قَوْلُهُ: (بَابُ مَوْتِ الْفُجَاءَةِ، الْبَغْتَةِ) قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: هُوَ مَضْبُوطٌ بِالْكَسْرِ عَلَى الْبَدَلِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هِيَ الْبَغْتَةُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بَغْتَةٌ. وَالْفُجَاءَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ، وَبَعْدَ الْجِيمِ مَدٌّ ثُمَّ هَمْزٌ، وَيُرْوَى بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ بِغَيْرِ مَدٍّ، وَهِيَ الْهُجُومُ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ. وَمَوْتُ الْفَجْأَةِ وُقُوعُهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ مَرَضٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ كَرَاهِيَتُهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ بِأَنَّ أُمَّهُ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ: مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ. وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي التَّرْجَمَةِ بِمَا لَمْ يُوَافِقْ شَرْطَهُ، وَإِدْخَالُ مَا يُومِئُ إِلَى ذَلِكَ وَلَوْ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ. انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ رَاوِيهِ رَفَعَهُ مَرَّةً وَوَقَفَهُ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ: أَسَفٌ أَيْ: غَضَبٌ، وَزْنًا وَمَعْنًى، وَرُوِيَ بِوَزْنِ فَاعِلٍ أَيْ غَضْبَانَ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّ بِجِدَارٍ مَائِلٍ فَأَسْرَعَ، وَقَالَ: أَكْرَهُ مَوْتَ الْفَوَاتِ. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وَكَانَ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِمَا فِي مَوْتِ الْفَجْأَةِ مِنْ خَوْفِ حِرْمَانِ الْوَصِيَّةِ، وَتَرْكِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَعَادِ بِالتَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَوْتِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَادَ فِيهِ: الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ وَصِيَّتَهُ. انْتَهَى. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: مَوْتُ الْفَجْأَةِ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَسَفٌ عَلَى الْفَاجِرِ.


(١) هذا فيه نظر. والصواب أن ذلك غير مشروع إلا بالنسبة إلى النبي ، لأن الله سبحانه شرع لنا التأسي به، وأما غيره فيخطيء ويصيب. وسبق في هذا المعنى حواشي في المجلد الأول والثاني وأوائل هذا الجزء، فراجعها إن شئت. والله أعلم