قَوْلُهُ: (بَابُ مَوْتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تَعَيُّنُ وَقْتِ الْمَوْتِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ اخْتِيَارٌ، لَكِنْ فِي التَّسَبُّبِ فِي حُصُولِهِ مَدْخَلٌ كَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ، فَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْإِجَابَةُ أُثِيبَ عَلَى اعْتِقَادِهِ. وَكَأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي وَرَدَ فِي فَضْلِ الْمَوْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا وَافَقَ شَرْطَهُ، وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ) تَعْنِي أَبَاهَا، زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَرَأَيْتُ بِهِ الْمَوْتَ، فَقُلْتُ: هَيْجٌ هَيْجٌ
مَنْ لَا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا … فَإِنَّهُ فِي مَرَّةٍ مَدْفُوقُ
فَقَالَ: لَا تَقُولِي هَذَا، وَلَكِنْ قُولِي: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ الْآيَةَ - ثُمَّ قَالَ - فِي أَيِّ يَوْمٍ. الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا ابْنُ سَعْدٍ مُفْرَدَةً عَنْ أَبِي سَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. وَقَوْلُهَا: هَيْجٌ بِالْجِيمِ، حِكَايَةَ بُكَائِهَا.
قَوْلُهُ: (فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ ﷺ؟) أَيْ: كَمْ ثَوْبًا كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ ﷺ فِيهِ؟ وَقَوْلُهُ: فِي كَمْ مَعْمُولٌ مُقَدَّمٌ لِكَفَّنْتُمْ، قِيلَ: ذَكَرَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ تَوْطِئَةً لَهَا لِلصَّبْرِ عَلَى فَقْدِهِ، وَاسْتِنْطَاقًا لَهَا بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَعْظُمُ عَلَيْهَا ذِكْرُهُ، لِمَا فِي بُدَاءَتِهِ لَهَا بِذَلِكَ مِنْ إِدْخَالِ الْغَمِّ الْعَظِيمِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ نَسِيَ مَا سَأَلَ عَنْهُ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ قَدْرِ الْكَفَنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِ الْبَيْعَةِ. وَأَمَّا تَعْيِينُ الْيَوْمِ فَنِسْيَانُهُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ ﷺ دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ التَّرَدُّدُ: هَلْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الثُّلَاثَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكَفَنِ فِي مَوْضِعِهِ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) بِالنَّصْبِ أَيْ: فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَقَوْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُلْتُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ بِالرَّفْعِ أَيْ هَذَا يَوْمُ الِاثْنَيْنِ.
قَوْلُهُ: (أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: اللَّيْلَةَ وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَوَّلُ بَدْءِ مَرَضِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا، فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَمَاتَ مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَأَشَارَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَأَخُّرِ وَفَاتِهِ عَنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيُرَغِّبُ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ قَامَ فِي الْأَمْرِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (بِهِ رَدْعٌ) بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، أَيْ: لَطْخٌ لَمْ يَعُمَّهُ كُلَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ) زَادَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ جَدِيدَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَكَفِّنُونِي فِيهِمَا) أَيِ: الْمَزِيدَ وَالْمَزِيدَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: فِيهَا أَيِ: الثَّلَاثَةَ.
قَوْلُهُ: (خَلَقٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ، أَيْ: غَيْرُ جَدِيدٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: أَلَا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟ قَالَ: لَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَرَى عَدَمَ الْمُغَالَاةِ فِي الْأَكْفَانِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ؛ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْأَمْرِ بِتَحْسِينِ الْكَفَنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ؛ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ التَّحْسِينِ عَلَى الصِّفَةِ، وَحَمْلِ الْمُغَالَاةِ عَلَى الثَّمَنِ. وَقِيلَ: التَّحْسِينُ حَقُّ الْمَيِّتِ، فَإِذَا أَوْصَى بِتَرْكِهِ اتُّبِعَ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِهِ، لِكَوْنِهِ صَارَ إِلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ جَاهَدَ فِيهِ أَوْ تَعَبَّدَ فِيهِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا.