للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَعْضُ مَنْ ضَعَّفَ رَفْعَ الِاسْتِسْعَاءِ بِزِيَادَةٍ وَقَعَتْ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِي آخِرِهِ: وَرَقَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ، وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْكَعْبِيُّ، وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَفِي حِفْظِهِ شَيْءٌ عَنْهُمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ رَقِيقًا، بَلْ هِيَ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَحَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ بَيَانُ الْحُكْمِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلِلَّذِي صَحَّحَ رَفْعَهُ أَنْ يَقُولَ: مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمُعْسِرَ إِذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، بَلْ تَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهَا وَهِيَ الرِّقُّ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي عِتْقِ بَقِيَّتِهِ فَيُحَصِّلُ ثَمَنَ الْجُزْءِ الَّذِي لِشَرِيكِ سَيِّدِهِ وَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَيُعْتَقُ، وَجَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ، لِقَوْلِهِ: غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ بِأَنْ يُكَلِّفَ الْعَبْدَ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى يَحْصُلَ ذَلِكَ لَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ غَايَةُ الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ فِي الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَهَذِهِ مِثْلُهَا.

وَإِلَى هَذَا الْجَمْعِ مَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: لَا يَبْقَى بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَةٌ أَصْلًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى الرِّقُّ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ إِذَا لَمْ يَخْتَرِ الْعَبْدُ الِاسْتِسْعَاءَ، فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ غُلَامٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَجَازَ عِتْقَهُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ : هُوَ كُلُّهُ، فَلَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُعْتَقُ غَنِيًّا أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَ جَمِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يُضَمِّنْهُ النَّبِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِلَّا لَتَعَارَضَا.

وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَمِرُّ فِي حِصَّةِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ رَقِيقًا فَيَسْعَى فِي خِدْمَتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنَ الرِّقِّ، قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ؛ أَيْ مِنْ وَجْهِ سَيِّدِهِ الْمَذْكُورِ، فَلَا يُكَلِّفُهُ مِنَ الْخِدْمَةِ فَوْقَ حِصَّةِ الرِّقِّ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَاسْتُسْعِيَ فِي قِيمَتِهِ لِصَاحِبِهِ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَبْطَلَ الِاسْتِسْعَاءَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَنَجَّزَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقَ ثُلُثِهِ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِسْعَاءِ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَ الِاسْتِسْعَاءَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِسْعَاءُ مَشْرُوعًا إِلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ مَا إِذَا أَعْتَقَ جَمِيعَ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ ثُلُثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، وَهَذَا يُعَارِضُ حَدِيثَ عِمْرَانَ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ لِمَا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَالْجَوَابُ مَعَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِصُورَةِ الْيَسَارِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: وَلَهُ وَفَاءٌ، وَالِاسْتِسْعَاءُ إِنَّمَا هُوَ فِي صُورَةِ الْإِعْسَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِالِاسْتِسْعَاءِ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَآخَرُونَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْأَكْثَرُ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ فِي الْحَالِ وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَحْصِيلِ قِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ: ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ بِمَا أَدَّاهُ لِلشَّرِيكِ، وَقَالَ