الشَّوَارِبَ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الْإِحْفَاءِ لِلْأَكْثَرِ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ حَفَى شَارِبَهُ حَفْوًا إِذَا اسْتَأْصَلَ أَخَذَ شَعْرَهُ، فَعَلَى هَذَا فَهِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ.
قَوْلُهُ: (وَوَفِّرُوا اللِّحَى) أَمَّا قَوْلُهُ وَفِّرُوا فَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنَ التَّوْفِيرِ وَهُوَ الْإِبْقَاءُ أَيِ اتْرُكُوهَا وَافِرَةً، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَعْفُوا وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَرْجِئُوا وَضُبِطَتْ بِالْجِيمِ وَالْهَمْزَةِ أَيْ أَخِّرُوهَا، وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِلَا هَمْزٍ أَيْ أَطِيلُوهَا، وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَوْفُوا أَيِ اتْرُكُوهَا وَافِيَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَاللِّحَى بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَبِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ جَمْعُ لِحْيَةٍ بِالْكَسْرِ فَقَطْ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا نَبَتَ عَلَى الْخَدَّيْنِ وَالذَّقْنِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى نَافِعٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِقْدَارُ الْمَأْخُوذِ، وَقَوْلُهُ فَضَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الضَّادِ كَعَلِمَ وَالْأَشْهَرُ الْفَتْحُ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَقَصَّرَ مِنْ لَحَيَّتِهِ لِيَدْخُلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ وَخَصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ وَفِّرُوا اللِّحَى فَحَمَلَهُ عَلَى حَالَةٍ غَيْرِ حَالَةِ النُّسُكِ.
قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَخُصُّ هَذَا التَّخْصِيصَ بِالنُّسُكِ بَلْ كَانَ يَحْمِلُ الْأَمْرَ بِالْإِعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُولِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ، فَقَدْ قَالَ الطَّبَرَيُّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَكَرِهُوا تَنَاوَلَ شَيْءٍ مِنَ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَمِنْ عَرْضِهَا، وَقَالَ قَوْمٌ إِذَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ يُؤْخَذُ الزَّائِدُ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِلَى عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ: كُنَّا نُعَفِّي السِّبَالَ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ وَقَوْلُهُ نُعَفِّي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ نَتْرُكَهُ وَافِرًا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّ السِّبَالَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ سَبَلَةَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مَا طَالَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، فَأَشَارَ جَابِرٌ إِلَى أَنَّهُمْ يُقَصِّرُونَ مِنْهَا فِي النُّسُكِ.
ثُمَّ حَكَى الطَّبَرَيُّ اخْتِلَافًا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنَ اللِّحْيَةِ هَلْ لَهُ حَدٌّ أُمْ لَا؟ فَأَسْنَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَخْذِ الَّذِي يَزِيدُ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ الْكَفِّ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا مَا لَمْ يُفْحِشْ، وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ قَالَ: وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ النَّهْيَ عَلَى مَنْعِ مَا كَانَتِ الْأَعَاجِمُ تَفْعَلُهُ مِنْ قَصِّهَا وَتَخْفِيفِهَا، قَالَ: وَكَرِهَ آخَرُونَ التَّعَرُّضَ لَهَا إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ وَأَسْنَدَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَ قَوْلَ عَطَاءٍ، وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَرَكَ لِحْيَتَهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى أَفْحَشَ طُولُهَا وَعَرْضُهَا لَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا وَهَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا إِلَّا هَذَا اهـ، وَقَدْ ضَعَّفَ عُمَرَ بْنَ هَارُونَ مُطْلَقًا جَمَاعَةٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يُكْرَهُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ وَقَصُّهَا وَتَحْذِيفُهَا، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا إِذَا عَظُمَتْ فَحَسَنٌ، بَلْ تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا، كَذَا قَالَ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الْأَمْرِ بِتَوْفِيرِهَا ; قَالَ: وَالْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ النُّسُكِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِيهِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ، عَنِ الْغَزَالِيِّ - وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ لِأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ فِي الْقُوتِ - قَالَ: يُكْرَهُ فِي اللِّحْيَةِ عَشْرُ
خِصَالٍ: خَضْبُهَا بِالسَّوَادِ لِغَيْرِ الْجِهَادِ، وَبِغَيْرِ السَّوَادِ إِيهَامًا لِلصَّلَاحِ لَا لِقَصْدِ الِاتِّبَاعِ، وَتَبْيِيضُهَا اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِقَصْدِ التَّعَاظُمِ عَلَى الْأَقْرَانِ، وَنَتْفُهَا لِلْمُرُودَةِ وَكَذَا تَحْذِيفُهَا وَنَتْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute