بِلَفْظِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي الذَّيْلِ عَنْ تَفْسِيرِ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ اسْمَهُ عَطَاءُ بْنُ مُنْيَةَ، قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ أَخُو يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ رَاوِي الْخَبَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَطَأٌ مِنَ اسْمِ الرَّاوِي، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ عَطَاءٍ، وَيَعْلَى أَحَدًا، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ مَا نَصُّهُ: هَذَا الرَّجُلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ؛ إِذْ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَأَنَا مُتَخَلِّقٌ، فَقَالَ: وَرْسٌ وَرْسٌ، حُطَّ حُطَّ، وَغَشِيَنِي بِقَضِيبٍ بِيَدِهِ فِي بَطْنِي فَأَوْجَعَنِي، الْحَدِيثَ. فَقَالَ شَيْخُنَا: لَكِنْ عَمْرٌو هَذَا لَا يُدْرَكُ ذَا، فَإِنَّهُ صَاحِبُ ابْنِ وَهْبٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهُوَ مُعْتَرَضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ شَبِيهَةً بِهَذِهِ الْقِصَّةِ حَتَّى يُفَسَّرَ صَاحِبُهَا بِهَا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَفِي الِاسْتِدْرَاكِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، لَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ أَنَّهُ صَاحِبُ ابْنِ وَهْبٍ صَاحِبِ مَالِكٍ، بَلْ إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ آخَرُ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَهُ وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِيهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَلَى شَيْخِنَا، وإِنَّمَا الَّذِي فِي الشِّفَاءِ سَوَادُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: سَوَادَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَفْصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَعْلَى أَنَّهُ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُتَخَلِّقٌ، فَقَالَ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ. فَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ هُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ، وَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ صَاحِبِ الْإِحْرَامِ. نَعَمْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ زِيَادٍ الْوَضَّاحِيُّ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَنْزِعَهَا. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّمَا كُنَّا نَرَى أَنْ نَشُقَّهَا، فَقَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
قَوْلُهُ: (قَدْ أُظِلَّ بِهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ؛ أَيْ جُعِلَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ حِينَئِذٍ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ - وَهُوَ الْإِتْمَامُ - يَسْتَدْعِي وُجُوبَ اجْتِنَابِ مَا يَقَعُ فِي الْعُمْرَةِ.
قَوْلُهُ: (يَغِطُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ؛ أَيْ يَنْفُخُ. وَالْغَطِيطُ صَوْتُ النَّفْسِ الْمُتَرَدِّدِ مِنَ النَّائِمِ أَوِ الْمُغْمَى، وَسَبَبُ ذَلِكَ شِدَّةُ ثِقَلِ الْوَحْيِ، وَكَانَ سَبَبُ إِدْخَالِ يَعْلَى رَأْسَهُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ لَوْ رَآهُ فِي حَالَةِ نُزُولِ الْوَحْيِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ حِينَئِذٍ: تَعَالَ فَانْظُرْ، وَكَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَشُقُّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (سُرِّيَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ؛ أَيْ كُشِفَ عَنْهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَمَا تَصْنَعُ وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ بِلَفْظِ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ: وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ. وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ أَعْمَالَ الْحَجِّ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْلَعُونَ الثِّيَابَ وَيَجْتَنِبُونَ الطِّيبَ فِي الْإِحْرَامِ إِذَا حَجُّوا، وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: قَوْلُهُ واصْنَعْ مَعْنَاهُ اتْرُكْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ؛ وَهِيَ أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ: أَرَادَ الْأَدْعِيَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التُّرُوكَ مُشْتَرَكَةٌ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ فِي الْحَجِّ أَشْيَاءَ زَائِدةً عَلَى الْعُمْرَةِ، كَالْوُقُوفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute