للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذِكْرِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْحَدَثِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْحَدَثِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْتُهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَنْصُورٌ) أَيِ: ابْنُ الْمُعْتَمِرِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) أَيِ: النَّخَعِيِّ، وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ مِثْلِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، قال: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ، فَقَالَ: لَمْ يُبْنَ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ أَبِي عَوَانَةَ، فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْجَوَازِ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قال: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ، فَقَالَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ، قال: بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُنْزَعُ فِيهِ الْحَيَاءُ، وَلَا يُقْرَأُ فِيهِ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِمَا هُوَ الْوَاقِعُ بِأَنَّ شَأْنَ مَنْ يَكُونُ فِي الْحَمَّامِ أَنْ يَلْتَهِيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ.

وَحُكِيَتِ الْكَرَاهَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٌ، فَقَالَا: لَا تُكْرَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ عَنِ الْأَصْحَابِ: لَا تُكْرَهُ، فَأَطْلَقَ. لَكِنْ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ. وَسَوَّى الْحَلِيمِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَطْلُوبَةٌ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهَا مَطْلُوبٌ وَالْحَدَثَ يَكْثُرُ، فَلَوْ كُرِهَتْ لَفَاتَ خَيْرٌ كَثِيرٌ. ثُمَّ قال: حُكْمُ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ إِنْ كَانَ الْقَارِئُ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ وَلَيْسَ فِيهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْتُبُ الرِّسَالَةَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِلَفْظِ مُضَارِعِ كَتَبَ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِكَتْبِ بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَةٍ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالْقِرَاءَةِ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا، عَنْ مَنْصُورٍ، قال: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ: أَأَكْتُبُ الرِّسَالَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟ قال: نَعَمْ. وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الرَّسَائِلِ أَنْ تُصَدَّرَ بِالْبَسْمَلَةِ تَوَهَّمَ السَّائِلُ أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كَاتِبَ الرِّسَالَةِ لَا يَقْصِدُ الْقِرَاءَةَ فَلَا يَسْتَوِي مَعَ الْقِرَاءَةِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ حَمَّادٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَقِيهُ الْكُوفَةِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) أَيِ: النَّخَعِيِّ (إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ)؛ أَيْ: عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ (إِزَارٌ) الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ؛ أَيْ: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ إِزَارٌ. وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ إِمَّا إِهَانَةٌ لَهُمْ لِكَوْنِهِمْ عَلَى بِدْعَةٍ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يَسْتَدْعِي مِنْهُمُ الرَّدَّ، وَالتَّلَفُّظُ بِالسَّلَامِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَأَنَّ لَفْظَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْمُتَعَرِّي عَنِ الْإِزَارِ مُشَابِهٌ لِمَنْ هُوَ فِي الْخَلَاءِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَوَجَّهُ ذِكْرُ هَذَا الْأَثَرِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ.

١٨٣ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قال: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ وَهِيَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.