للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ الَّتِي زَنَتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ بِرَجْمِهَا وَقَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ تَعَيَّنَ إِهْلَاكُهُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَطِيفٌ يَجْمَعُ الْمَحَاسِنَ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ الْإِدْرَاكُ بِأَعْضَائِهِ، فَيُخْشَى مِنْ ضَرْبِهِ أَنْ تَبْطُلَ أَوْ تَتَشَوَّهَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا، وَالشَّيْنُ فِيهَا فَاحِشٌ لِظُهُورِهَا وَبُرُوزِهَا، بَلْ لَا يَسْلَمُ إِذَا ضَرَبَهُ غَالِبًا مِنْ شَيْنٍ اهـ.

وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورٌ حَسَنٌ، لَكِنْ ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ تَعْلِيلٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَيُّوبَ الْمَرَاغِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَزَادَ: فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي الضَّمِيرِ عَلَى مَنْ يَعُودُ؟ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمَضْرُوبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِإِكْرَامِ وَجْهِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْلِيلُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ ارْتِبَاطٌ بِمَا قَبْلَهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَعَادَ بَعْضُهُمُ الضَّمِيرَ عَلَى اللَّهِ مُتَمَسِّكًا بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَكَأَنَّ مَنْ رَوَاهُ أَوْرَدَهُ بِالْمَعْنَى مُتَمَسِّكًا بِمَا تَوَهَّمَهُ فَغَلِطَ فِي ذَلِكَ.

وَقَدْ أَنْكَرَ الْمَازِرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ صِحَّةَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْبَارِي . قُلْتُ: الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ يَرُدُّ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ صُورَةَ وَجْهِ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ فَتَعَيَّنَ إِجْرَاءُ مَا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ إِمْرَارِهِ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ تَشْبِيهٍ، أَوْ مِنْ تَأْوِيلِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالرَّحْمَنِ ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ .. الْحَدِيثَ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى آدَمَ أَيْ عَلَى صِفَتِهِ أَيْ خَلَقَهُ مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ الَّذِي فَضَلَ بِهِ الْحَيَوَانَ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ: غَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فَأَجْرَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ: صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ انْتَهَى. وَقَالَ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ يَقُولُ: صَحَّ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَوْسَجِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ - أَيْ صُورَةِ الرَّجُلِ - فَقَالَ: كَذَبَ هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ انْتَهَى.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا تَقُولَنَّ: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَقُولِ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ وَجْهِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضِ النَّوَوِيُّ لِحُكْمِ هَذَا. انتهى. وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ الصَّحَابِيِّ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَطَمَ غُلَامَهُ فَقَالَ: أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحْتَرَمَةٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.