للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَحْيَى: وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْكِبَرِ وَالضَّعْفِ، كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّ بِحَسْبِكَ) بِإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: كَافِيكَ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ: وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ.

قَوْلُهُ: (أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فِي كُلِّ شَهْرٍ.

(فَإِذَنْ ذَلِكَ) هُوَ بِتَنْوِينِ إِذَنْ، وَهِيَ الَّتِي يُجَابُ بِهَا إِنْ وَكَذَا لَوْ صَرِيحًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَإِنْ هُنَا مُقَدَّرَةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ صُمْتَهَا فَإِذَنْ ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَرُوِيَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَهِيَ لِلْمُفَاجَأَةِ، وَفِي تَوْجِيهِهَا هُنَا تَكَلُّفٌ.

قَوْلُهُ: (إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ: فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: خَمْسًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: سَبْعًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: تِسْعًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ عِيَاضٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْوِتْرِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: صُمْ يَوْمًا - يَعْنِي: مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ - وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ. قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ. قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ. قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ. قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: صُمْ صَوْمَ دَاوُدَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ بِسِتَّةٍ ثُمَّ بِتِسْعَةٍ، ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَلَمَّا قَالَ: إِنَّهُ يُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زَادَهُ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى أَنْ وَصَلَهُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي دَاوُدَ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاقِصُنِي وَأُنَاقِصُهُ وَوَقَعَ لِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: صُمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَقَدِ اسْتُشْكِلَ قَوْلُهُ: صُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ مَعَ قَوْلِهِ: صُمْ من كُلَّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ. . . إِلَخْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعَمَلِ وَالنَّقْصَ مِنَ الْأَجْرِ، وَبِذَلِكَ تَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّضْعِيفِ، قَالَ عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى صُمْ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ أَيْ: مِنَ الْعَشَرَةِ، وَقَوْلُهُ: صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ أَيْ: مِنَ الْعِشْرِينَ، وَفِي الثَّلَاثَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ، وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اسْتِبْعَادُ كَثْرَةِ الْعَمَلِ وَقِلَّةِ الْأَجْرِ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْأَجْرَ إِنَّمَا اتَّحَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ يَصُومَ جَمِيعَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ إِبْقَاءً عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ فِي أَجْرِ نِيَّتِهِ عَلَى حَالِهِ سَوَاءٌ صَامَ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَمَا تَأَوَّلَهُ فِي حَدِيثِ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ أَيْ: إِنَّ أَجْرَهُ فِي نِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ لِامْتِدَادِ نِيَّتِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلِهِ. انْتَهَى.

وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ وَالتَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا إِجْرَاءَ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ مِنَ الصَّوْمِ ازْدَادَ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَفْوِيتِ بَعْضِ الْأَجْرِ الْحَاصِلِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي قَدْ يُفَوِّتُهَا مَشَقَّةُ الصَّوْمِ فَيَنْقُصُ الْأَجْرُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ: صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ يَرُدُّ الْحَمْلَ الْأَوَّلَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ - عَلَى سِيَاقِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ - أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلَكَ أَجْرُ أَرْبَعِينَ، وَقَدْ قَيَّدَهُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ بِالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ لَا يَكُونُ أَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ: صُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ التِّسْعَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ: مِنْ كُلِّ تِسْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ الثَّمَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: مِنْ