للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْجَمْعِ. وَفَائِدَةُ أَثَرِ الْحَسَنِ هَذَا بَيَانُ أَنَّهُ نُقِلَ عَنِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ، وَهُوَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُلْحِقُونَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِالصَّلَوَاتِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأَبُ، ثُمَّ الِابْنُ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ - مِنْهُمْ سَالِمٌ، وَالْقَاسِمُ، وَطَاوُسٌ - أَنَّ إِمَامَ الْحَيِّ أَحَقُّ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ وَآخَرُونَ: الْوَالِي أَحَقُّ مِنَ الْوَلِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ: الْوَلِيُّ أَحَقُّ مِنَ الْوَالِي.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجِنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَلَا يَتَيَمَّمُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ مَعْطُوفًا عَلَى أَصْلِ التَّرْجَمَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةَ كَلَامِ الْحَسَنِ، وَقَدْ وَجَدْتُ عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي الْجِنَازَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِنْ ذَهَبَ يَتَوَضَّأَ تَفُوتُهُ، قَالَ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. وَعَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُصَلِّي إِلَّا عَلَى طُهْرٍ. وَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِي لَهَا التَّيَمُّمُ لِمَنْ خَافَ فَوَاتَهَا لَوْ تَشَاغَلَ بِالْوُضُوءِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، وَسَالِمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَاللَّيْثِ وَالْكُوفِيِّينَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (١).

قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْجِنَازَةِ يَدْخُلُ مَعَهُمْ بِتَكْبِيرَةٍ) وَجَدْتُ هَذَا الْأَثَرَ عَنِ الْحَسَنِ وَهُوَ يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِي، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الرَّجُلِ يَنْتَهِي إِلَى الْجِنَازَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَدْخُلُ مَعَهُمْ بِتَكْبِيرَةٍ. وَالْمُخَالِفُ فِي هَذَا بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي دُخُولِ الْمَسْبُوقِ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ أَوِ انْتِظَارِ التَّكْبِيرِ قَوْلَانِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِلَخْ) لَمْ أَرَهُ مَوْصُولًا عَنْهُ، وَوَجَدْتُ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الصَّحَابِيِّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مَوْقُوفًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَنَسٌ: التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ) وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رُزَيْقُ بْنُ كَرِيمٍ، لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: رَجُلٌ صَلَّى فَكَبَّرَ ثَلَاثًا؟ قَالَ أَنَسٌ: أَوَلَيْسَ التَّكْبِيرُ ثَلَاثًا؟ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ التَّكْبِيرُ أَرْبَعٌ. قَالَ: أَجَلْ، غَيْرَ أَنَّ وَاحِدَةً هِيَ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ) أَيْ: اللَّهُ : ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى أَصْلِ التَّرْجَمَةِ.

وَقَوْلُهُ: (وَفِيهِ صُفُوفٌ وَإِمَامٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَفِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ. قَرَأْتُ بِخَطِّ مُغَلْطَايْ: كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَالِكٍ، فَإِنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ عَلَى الْجِنَازَةِ سَطْرًا وَاحِدًا، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لِذَلِكَ وَجْهًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ فِي اسْتِحْبَابِ الصُّفُوفِ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا، وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَأَمَّنَا فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ نَقْلًا عَنِ ابْنِ الْمُرَابِطِ وَغَيْرِهِ مَا مُحَصِّلُهُ: مُرَادُ هَذَا الْبَابِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لَهَا وَاسْتِغْفَارٌ، فَتَجُوزُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَأَوَّلُ الْمُصَنِّفُ الرَّدَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ التَّسْمِيَةِ الَّتِي سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَاةً، وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ الدُّعَاءُ وَحْدَهُ لَمَا أَخْرَجَهُمْ إِلَى الْبَقِيعِ، وَلَدَعَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَهُمْ بِالدُّعَاءِ مَعَهُ أَوِ التَّأْمِينُ عَلَى دُعَائِهِ، وَلَمَا صَفَّهُمْ خَلْفَهُ كَمَا يَصْنَعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَسْنُونَةِ، وَكَذَا وُقُوفُهُ فِي الصَّلَاةِ وَتَكْبِيرُهُ فِي افْتِتَاحِهَا وَتَسْلِيمُهُ فِي التَّحَلُّلِ مِنْهَا كُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْأَبْدَانِ، لَا عَلَى اللِّسَانِ


(١) الأرجح قول من قال لا يصليها بالتيمم لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ الآية. وفي الحديث "وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء" والواجب الأخذ بعموم النصوص حتى يوجد المخصص، وليس هنا مخصص يعتمد عليه. والله أعلم