الْمُسَيَّبِ: يُكَبِّرُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَرْبَعًا. وَقَالَ أَنَسٌ ﵁: التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ وَفِيهِ صُفُوفٌ وَإِمَامٌ.
١٣٢٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ نَبِيِّكُمْ ﷺ عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَأَمَّنَا، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄.
قَوْلُهُ: (بَابُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا، يَعْنِي فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَمُرَادُهُ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنَ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ أَنَّ لَهَا حُكْمَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ دُعَاءٍ، فَلَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَثَلًا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا بَعْدَ بَابٍ، وَهَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي أَوَائِلِ الْحَوَالَةِ، أَوَّلُهُ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (سَمَّاهَا صَلَاةً) أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ، فَإِنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا، وَيُكَبَّرُ فِيهَا وَيُسَلَّمُ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنِ اخْتُلِفَ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّي إِلَّا طَاهِرًا) وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الْجِنَازَةِ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا) وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَقُولُ: مَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا.
(تَنْبِيهٌ): مَا فِي قَوْلِهِ: (مَا صُلِّيَتَا) ظَرْفِيَّةٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا إِذَا أُخِّرَتَا إِلَى وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ - وَقَدْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِغَلَسٍ -: إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ. فَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرَى اخْتِصَاصَ الْكَرَاهَةِ بِمَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا لَا مُطْلَقَ مَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحِينَ تَغْرُبُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (١).
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحَسَنُ إِلَخْ) لَمْ أَرَهُ مَوْصُولًا، وَقَوْلُهُ: مَنْ رَضُوهُ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي: مَنْ رَضُوهُمْ بِصِيغَةِ
(١) وأخرجه الدار قطني في "العلل" بإسناد جيد عن ابن عمر مرفوعا وصوب وقفه لأنه لم يرفعه سوي عمر بن شبة. والأظهر عدم الالتفات إلى هذه العلة لأن عمر المذكور ثقة فيقبل رفعه، لأن ذلك زيادة من ثقة وهي مقبولة على الراجح عند أئمة الحديث ويكون ذلك دليلا على شرعية رفع اليدين في تكبيرات الجنازة. والله أعلم