للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصَّوَاب مِنْ ذَلِكَ كُلّه رِوَايَة أَيُّوب وَمَنْ تَابَعَهُ.

قَوْله: (عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الصِّدِّيق) هُوَ اِبْن أُخْت أُمّ سَلَمَة الَّتِي رُوِيَ عَنْهَا هَذَا الْحَدِيث، أُمّه قَرِيبَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة الْمَخْزُومِيَّة، وَهُوَ ثِقَة مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ غَيْر هَذَا الْحَدِيث.

قَوْله: (الَّذِي يَشْرَب فِي آنِيَة الْفِضَّة) فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق عُثْمَان بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن: مَنْ شَرِبَ مِنْ إِنَاء ذَهَب أَوْ فِضَّة وَلَهُ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن مُسْهِر عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر الْعُمَرِيّ عَنْ نَافِع إِنَّ الَّذِي يَأْكُل وَيَشْرَب فِي آنِيَة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَشَارَ مُسْلِم إِلَى تَفَرُّد عَلِيّ بْن مُسْهِر بِهَذِهِ اللَّفْظَة، أَعْنِي الْأَكْل.

قَوْله (إِنَّمَا يُجَرْجِر) بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّة وَفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء ثُمَّ جِيم مَكْسُورَة ثُمَّ رَاء مِنْ الْجَرْجَرَة، وَهُوَ صَوْت يُرَدِّدهُ الْبَعِير فِي حَنْجَرَته إِذَا هَاجَ نَحْو صَوْت اللِّجَام فِي فَكِّ الْفَرَس، قَالَ النَّوَوِيّ: اِتَّفَقُوا عَلَى كَسْر الْجِيم الثَّانِيَة مِنْ يُجَرْجِر، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُوَفَّق بْن حَمْزَة فِي كَلَامه عَلَى الْمَذْهَب حَكَى فَتْحهَا، وَحَكَى اِبْن الْفِرْكَاح عَنْ وَالِده أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ يُجَرْجِر عَلَى الْبِنَاء لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُول، وَكَذَا جَوَّزَهُ اِبْن مَالِك فِي شَوَاهِد التَّوْضِيح نَعَمْ رَدَّ ذَلِكَ اِبْن أَبِي الْفَتْح تِلْمِيذه فَقَالَ فِي جُزْء جَمَعَهُ فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الْمَتْن: لَقَدْ كَثُرَ بَحْثِي عَلَى أَنْ أَرَى أَحَدًا رَوَاهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، فَلَمْ أَجِدهُ عِنْد أَحَد مِنْ حُفَّاظ الْحَدِيث، وَإِنَّمَا سَمِعْنَاهُ مِنْ الْفُقَهَاء الَّذِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ عِنَايَة بِالرِّوَايَةِ، وَسَأَلْت أَبَا الْحُسَيْن الْيُونِينِيّ فَقَالَ: مَا قَرَأْته عَلَى وَالِدِي، وَلَا عَلَى شَيْخنَا الْمُنْذِر إِلَّا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. قَالَ: وَيَبْعُد اِتِّفَاق الْحُفَّاظ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى تَرْك رِوَايَة ثَابِتَة. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِسْنَاده إِلَى الْفَاعِل هُوَ الْأَصْل، وَإِسْنَاده إِلَى الْمَفْعُول فَرْع فَلَا يُصَار إِلَيْهِ بِغَيْرِ حَاجَة، وَأَيْضًا فَإِنَّ عُلَمَاء الْعَرَبِيَّة قَالُوا: يُحْذَف الْفَاعِل إِمَّا لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ لِلْجَهْلِ بِهِ، أَوْ إِذَا تُخَوَّف مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ لِشَرَفِهِ أَوْ لِحَقَارَتِهِ، أَوْ لِإِقَامَةِ وَزْن، وَلَيْسَ هُنَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ.

قَوْله: (فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم) وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ بِنَصْبِ نَار عَلَى أَنَّ الْجَرْجَرَة بِمَعْنَى الصَّبّ أَوْ التَّجَرُّع فَيَكُون نَار نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّة وَالْفَاعِل الشَّارِب أَيْ يَصُبّ أَوْ يَتَجَرَّع، وَجَاءَ الرَّفْع عَلَى أَنَّ الْجَرْجَرَة هِيَ الَّتِي تُصَوِّت فِي الْبَطْن، قَالَ النَّوَوِيّ: النَّصْب أَشْهَر، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة عُثْمَان بْن مُرَّة عِنْد مُسْلِم بِلَفْظِ فَإِنَّمَا يُجَرْجِر فِي بَطْنه نَارًا مِنْ جَهَنَّم وَأَجَازَ الْأَزْهَرِيّ النَّصْب عَلَى أَنَّ الْفِعْل عُدِّيَ إِلَيْهِ، وَابْن السَّيِّد الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ خَبَر إِنَّ وَمَا مَوْصُولَة، قَالَ: وَمَنْ نَصَبَ جَعَلَ مَا زَائِدَة كَافَّة لِإِنَّ عَنْ الْعَمَل، وَهُوَ نَحْو: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ فَقُرِئَ بِنَصْبِ كَيْد وَرَفْعه، وَيَدْفَعهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي شَيْء مِنْ النُّسَخ بِفَصْلِ مَا مِنْ إِنَّ. وَقَوْله: إِنَّ النَّار تُصَوِّت فِي بَطْنه كَمَا يُصَوِّت الْبَعِير بِالْجَرْجَرَةِ مَجَاز تَشْبِيه، لِأَنَّ النَّار لَا صَوْت لَهَا، كَذَا قِيلَ. وَفِي النَّفْي نَظَرٌ لَا يَخْفَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ بِسَبْعٍ.

قَوْلُهُ: (وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ أَوْ قَالَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْبَرَاءِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ، وَآنِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّبَاسِ مِنْهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، وَلَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التَّزَيُّنِ الَّذِي أُبِيحَ لَهَا فِي شَيْءٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَيُلْحَقُ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِثْلُ التَّطَيُّبِ وَالتَّكَحُّلِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَأَغْرَبَتْ طَائِفَةٌ شَذَّتْ فَأَبَاحَتْ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ التَّحْرِيمَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الشُّرْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي