للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمُرَادُهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِهِ الْمَوْصُولِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِيهِ قَوْلُهُ لِعِكْرِمَةَ لَمَّا أَخْبَرَهُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي كَبَّرَ فِي الظُّهْرِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً إِنَّهَا صَلَاةُ النَّبِيِّ فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُقِلَ عَنِ النَّبِيِّ إِتْمَامُ التَّكْبِيرِ، لِأَنَّ الرُّبَاعِيَّةَ لَا يَقَعُ فِيهَا لِذَاتِهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ فِي الرُّكُوعِ. وَهَذَا يُبْعِدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ.

قَوْلُهُ: (وَفِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ) أَيْ يَدْخُلُ فِي الْبَابِ حَدِيثُ مَالِكٍ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ أَبْوَابٍ فِي بَابِ الْمُكْثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَلَفْظُهُ: فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ.

قَوْلُهُ: (أخبرنا خَالِدٌ) هُوَ الطَّحَّانُ، وَالْجَرِيرِيُّ هُوَ سَعِيدٌ، وَأَبُو الْعَلَاءِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ أَخُو مُطَرِّفٍ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ وَالْإِخْوَةِ.

قَوْلُهُ: (صَلَّى) أَيْ عِمْرَانُ (مَعَ عَلِيٍّ) أَيِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ (بِالْبَصْرَةِ) يَعْنِي بَعْدَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ.

قَوْلُهُ: (ذَكرَنَا) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ كَانَ قَدْ تُرِكَ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، وَالطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: ذَكَّرَنَا عَلِيٌّ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِمَّا نَسِينَاهَا وَإِمَّا تَرَكْنَاهَا عَمْدًا وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قُلْنَا - يَعْنِي لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - يَا أَبَا نُجَيْدٍ، هُوَ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ مُصَغَّرٌ، مَنْ أَوَّلُ مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ؟ قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حِينَ كَبَّرَ وَضَعُفَ صَوْتُهُ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ إِرَادَةَ تَرْكِ الْجَهْرِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ مُعَاوِيَةُ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَرَكَهُ زِيَادٌ. وَهَذَا لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ زِيَادًا تَرَكَهُ بِتَرْكِ مُعَاوِيَةَ، وَكَأَنَّ مُعَاوِيَةَ تَرَكَهُ بِتَرْكِ عُثْمَانَ.

وَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَيُرَشِّحُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي بَابِ يُكَبِّرُ وَهُوَ يَنْهَضُ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ، لَكِنْ حَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَتْرُكُونَ التَّكْبِيرَ فِي الْخَفْضِ دُونَ الرَّفْعِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ تَفْعَلُ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُكَبِّرُ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ لِلْإِيذَانِ بِحَرَكَةِ الْإِمَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُنْفَرِدُ، لَكِنِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ لِكُلِّ مُصَلٍّ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى نَدْبِيَّةِ مَا عَدَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ يَجِبُ كُلُّهُ (١) قَالَ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ أُمِرَ بِالنِّيَّةِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَقْرُونَةً بِالتَّكْبِيرِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، فَأُمِرَ أَنْ يُجَدِّدَ الْعَهْدَ فِي أَثْنَائِهَا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ النِّيَّةِ (٢).

قَوْلُهُ: (كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ) هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الِانْتِقَالَاتِ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنْ خُصَّ مِنْهُ الرَّفْعُ مِنَ الرُّكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ شُرِعَ فِيهِ التَّحْمِيدُ، وَقَدْ جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعَامِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عند الدَّارِمِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ


(١) وهذا القول أظهر من حيث الدليل، لأن الرسول ثلى الله عليه وسلم حافظ عليه وأمر به، وأصل الأمر للوجوب، وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلى ". وأما ماروى عن عثمان ومعاوية من عدم إتمام التكبير فهو محمول على عدم الجهر بذلك لا أنهما تركاه إحسانا للظن بهما، وعلى تسليم أن الترك وقع منهما فالحجة مقدمة على رأيهما وعن سائر الصحابة أجمعين. والله أعلم.
(٢) ولو قيل إن الحكمة في شرعية تكرار التكبير تنبيه المصلي على أن الله سبحانه أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم فلا ينبغى التشاغل عن طاعته من الأشياء، بل ينبغي الإقبال عليها بالقلب والقالب، والخشوع فيها تعظيما له سبحانه وطلبا لرضاه، لكان ذلك متوجها، والله أعلم.