الثَّوْرِيِّ مَرْفُوعًا لَكِنْ قَالَ: خَالَفَهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ فَوَقَفُوهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا مَوْقُوفًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلَّهُ، لِأَنَّهُ سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ، وَلَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ أَوْ قَتَلَتْهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى فَمَاتَ لَأُكِلَ، فَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي الْبَحْرِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ جَوَازُ أَكْلِ اللَّحْمِ وَلَوْ أَنْتَنَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّحْمُ لَا يَبْقَى غَالِبًا بِلَا نَتْنٍ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ مَعَ شِدَّةِ الْحَرِّ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مَلَّحُوهُ وَقَدَّدُوهُ فَلَمْ يَدْخُلْهُ نَتْنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ: إِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ اللَّحْمِ إِذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ إِلَّا إِنْ خِيفَ مِنْهُ الضَّرَرُ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا. وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَأْتِي فِي الطَّافِي نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي النَّتِنِ إِذَا خُشِيَ مِنْهُ الضَّرَرُ، وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الصَّحَابَةِ نَصٌّ يَخُصُّ الْعَنْبَرَ وَقَدْ أَكَلُوا مِنْهُ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَيَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُمْ أَوَّلًا إِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَيْدَ الْبَحْرِ ثُمَّ تَوَقَّفُوا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً، فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَكْلِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الشَّارِعُ آخِرًا أَنْ مَيْتَتَهُ أَيْضًا حَلَالٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَافٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُمْ أَقَامُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ أَيَّامًا، فَلَوْ كَانُوا أَكَلُوا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَيْتَةٌ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ مَا دَاوَمُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ يَأْكُلُ مِنْهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِطَلَبِ الْمُبَاحِ غَيْرِهَا، وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ الْبَرِّ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالثُّعْبَانِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ - يَحْرُمُ مَا عَدَا السَّمَكَ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحُوتَ الْمَذْكُورَ لَا يُسَمَّى سَمَكًا. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْحُوتِ نَصًّا، وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلَّ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ وَحَدِيثُ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ حَلَالٌ وَمَا لَا فَلَا، وَاسْتَثْنَوْا عَلَى الْأَصَحِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَهُوَ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ شَيْءٌ يَخُصُّهُ كَالضِّفْدَعِ، وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَزَادَ: فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ. وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الضِّفْدَعَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ، فَالْبَرِّيُّ يَقْتُلُ آكِلَهُ وَالْبَحْرِيُّ يَضُرُّهُ. وَمِنَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا التِّمْسَاحُ لِكَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَةٍ، وَمِثْلُهُ الْقِرْشُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ لِلِاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ السُّمِّ، وَدنيلسُ قِيلَ إِنَّ أَصْلَهُ السَّرَطَانُ فَإِنْ ثَبَتَ حَرُمَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَانِعٌ فَيَحِلُّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ، كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ:
وَقَعَ فِي أَوَاخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى جَابِرٍ فَرَأَوْهُ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قِصَّةُ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي غَزَاةٍ بِبَطْنِ بُوَاطٍ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْحَوْضِ، وَفِيهِ قِيَامُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ كُلُّ ذَلِكَ مُطَوَّلٌ، وَفِيهِ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute