للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَيَتْرُكُهُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَنْتَشِرَ فَلَا يَمُرُّ بِزَرْعٍ إِلَّا اجْتَاحَهُ، وَقِيلَ؛ (١) وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِ فَقِيلَ: إِنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ فَلِذَلِكَ كَانَ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، وَهَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ أنَّ الْجَرَادَ نَثْرَةُ حُوتٍ مِنَ الْبَحْرِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبَى هُرَيْرَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَجَعَلْنَا نَضْرِبُ بِنِعَالِنَا وَأَسْوَاطِنَا، فَقَالَ: كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا جَزَاءَ فِيهِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَقُلْ لَا جَزَاءَ فِيهِ غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ الْجَزَاءُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَرِّيٌّ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ تَذْكِيَتِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَقِيلَ بِقَطْعِ رَأْسِهِ، وَقِيلَ إِنْ وَقَعَ فِي قِدْرٍ أَوْ نَارٍ حَلَّ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْذُهُ ذَكَاتُهُ، وَوَافَقَ مُطَرِّفٌ مِنْهُمُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ إِلَى ذَكَاتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: إِنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ، وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا الْمَوْقُوفَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ.

قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ هُوَ الْعَبْدِيِّ، وَاسْمُهُ وَقْدَانُ وَقِيلَ وَاقِدٌ، وَقَالَ مُسْلِمٌ اسْمُهُ وَاقِدٌ وَلَقَبُهُ وَقْدَانُ، وَهُوَ الْأَكْبَرُ، وَأَبُو يَعْفُورٍ الْأَصْغَرُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَيْسَ لِلْأَكْبَرِ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرُ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَبْوَابِ الرُّكُوعِ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ فِيهِ وَجَزْمَهُ بِأَنَّهُ الْأَصْغَرُ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ الْأَكْبَرُ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ وَغَيْرُهُ وَالنَّوَوِيُّ تَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرَهُ وَالَّذِي يُرَجِّحُ كَلَامَ الْكَلَابَاذِيِّ جَزْمُ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ بِأَنَّ رَاوِيَ حَدِيثِ الْجَرَادِ هُوَ الَّذِي اسْمُهُ وَاقِدٌ، وَيُقَالُ وَقْدَانُ، وَهَذَا هُوَ الْأَكْبَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ جَزَمَ فِي تَرْجَمَةِ الْأَصْغَرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى.

قَوْلُهُ (سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ أَوْ سِتَّ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَوَقَعَ فِي تَوْضِيحِ ابْنِ مَالِكٍ، سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ ثَمَانِيَ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ سَبْعُ غَزَوَاتٍ أَوْ ثَمَانِيَةً بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّ لَفْظَ ثَمَانٍ وَإِنْ كَانَ كَلَفْظِ جَوَارٍ فِي أَنَّ ثَالِثَ حُرُوفِهِ أَلِفٌ بَعْدَهَا حَرْفَانِ ثَانِيهُمَا يَاءٌ فَهُوَ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ جَوَارِيَ جَمْعٌ وَثَمَانِيَةٌ لَيْسَ بِجَمْعٍ وَاللَّفْظُ بِهِمَا فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ سَوَاءٌ، وَلَكِنَّ تَنْوِينَ ثَمَانٍ تَنْوِينُ صَرْفٍ وَتَنْوِينَ جَوَارٍ تَنْوِينُ عِوَضٍ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ بِالنَّصْبِ. وَاسْتَمَرَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَفِي ذِكْرِهِ لَهُ بِلَا تَنْوِينٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَجْوَدُهَا أَنْ يَكُونَ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَأَبْقَى الْمُضَافَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَذْفِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

خَمْسُ ذُودٍ أَوْ سِتُّ عُوِّضَتْ مِنْهَا

الْبَيْتَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَنْصُوبُ كُتِبَ بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ، وَذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ يَخْتَصُّ. بِالثَّمَانِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ لَا فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ بِلَفْظِ ثَمَانٍ، فَمَا أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا. وَهَذَا الشَّكُّ فِي عَدَدِ الْغَزَوَاتِ مِنْ شُعْبَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِالشَّكِّ أَيْضًا ; وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ السِّتِّ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ غَزَوَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا.

قَوْلُهُ (وَكُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعِيَّةِ مُجَرَّدَ الْغَزْوِ دُونَ مَا تَبِعَهُ مِنْ أَكْلِ الْجَرَادِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَعَ أَكْلِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ


(١) بياض في الأصل.