سُورَةِ يُوسُفَ بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَفِي سُورَةِ الدُّخَانِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ، إِلَخْ وَأَفَادَ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّ ابْتِدَاءَ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى قُرَيْشٍ بِذَلِكَ كَانَ عَقِبَ طَرْحِهِمْ عَلَى ظَهْرِهِ سَلَى الْجَزُورِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بَعْدَهَا بِالْمَدِينَةِ فِي الْقُنُوتِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَائِلَ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُ هَذِهِ الْقَصَصِ إِذْ لَا مَانِعَ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِرَارًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ) يَعْنِي الْأُمَوِيَّ وَالِدَ مُعَاوِيَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَجِيئَهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ عَادُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو طَالِبٍ كَانَ حَاضِرًا ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
الْبَيْتَ، لَكِنْ سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّعَدُّدِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَوْلُهُ: (جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ) يَعْنِي وَالَّذِينَ هَلَكُوا بِدُعَائِكَ مِنْ ذَوِي رَحِمِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِلَ رَحِمَكَ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَلَمْ يَقَعْ فِي هَذَا السِّيَاقِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ دَعَا لَهُمْ، وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ص بِلَفْظِ فَكَشَفَ عَنْهُمْ ثُمَّ عَادُوا وَفِي سُورَةِ الدُّخَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ أَسْبَاطَ الْمُعَلَّقَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾، الْآيَةَ سَقَطَ قَوْلُهُ الْآيَةَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ بَقِيَّةِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ.
قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ زَادَ الْأَصِيلِيُّ بَقِيَّةَ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَزَادَ أَسْبَاطُ) هُوَ ابْنُ نَصْرٍ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مَنْصُورٍ) يَعْنِي بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ وَصَلَهُ الْجَوْزَقِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَسْبَاطَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ وَهُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا فَذَكَرَ نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ وَزَادَ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسُقُوا الْغَيْثَ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ أَشَارُوا بِقَوْلِهِمْ بُعِثْتُ رَحْمَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
قَوْلُهُ: (فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ) كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ وَهُوَ عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَأُسْقِيَ النَّاسُ حَوْلَهُمْ وَزَادَ بَعْدَ هَذَا فَقَالَ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - لَقَدْ مَرَّتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَهُوَ الْجُوعُ إِلَخْ وَقَدْ تَعَقَّبَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَنَسَبُوا أَسْبَاطَ بْنَ نَصْرٍ إِلَى الْغَلَطِ فِي قَوْلِهِ: وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ إِلَخْ وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَدْخَلَ حَدِيثًا فِي حَدِيثٍ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ شَكْوَى كَثْرَةِ الْمَطَرِ وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، لَمْ يَكُنْ فِي قِصَّةِ قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي رَوَاهَا أَنَسٌ، وَلَيْسَ هَذَا التَّعَقُّبُ عِنْدِي بِجَيِّدٍ إِذْ لَا مَانِعَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَسْبَاطَ بْنَ نَصْرٍ لَمْ يُغَلِّطْ مَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الدُّخَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ. قَالَ: لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ. فَاسْتَسْقَى فَسُقُوا، اهـ.
وَالْقَائِلُ: فَقِيلَ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَبُو سُفْيَانَ لِمَا ثَبَتَ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي الدَّلَائِلِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ - أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ - قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. عَلَى مُضَرَ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِقَوْمِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَلَمْ يَشُكَّ، فَأَبْهَمَ أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ: جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ اسْتَسْقِ اللَّهَ