للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَكَذَا وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِمَّا هُنَا كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا وَصَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْفَرَوِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَ بْنَ عِيسَى رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَدَلَ أَبِي سَعِيدٍ، وَرِوَايَتُهُ شَاذَّةٌ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا. وَرُوِّينَاهُ فِي الْخُلَعِيَّاتِ (١) وَقَدْ حَفِظَ مَالِكٌ الْوَصْلَ فِيهِ وَهُوَ أَتْقَنُ لِحَدِيثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ. وَذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ.

قَوْلُهُ: (إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ) هَذَا الْحُكْمُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُذَكَّرِ تَغْلِيبًا.

قَوْلُهُ: (فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ) أَيْ: صَارَ إِسْلَامُهُ حَسَنًا بِاعْتِقَادِهِ وَإِخْلَاصِهِ وَدُخُولِهِ فِيهِ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ عَمَلِهِ قُرْبَ رَبِّهِ مِنْهُ وَاطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ الْإِحْسَانِ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (يُكَفِّرُ اللَّهُ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ لِأَنَّ إِذَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَكِنَّهَا لَا تَجْزِمُ، وَاسْتَعْمَلَ الْجَوَابَ مُضَارِعًا وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْمَاضِي لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ كَفَّرَ اللَّهُ فَوَاخَى بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ: (كَانَ أَزْلَفَهَا) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ زَلَفَهَا، وَهِيَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَمَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِالتَّشْدِيدِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُسْلِمُ فَيَحْسُنُ إِسْلَامُهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ زَلَفَهَا، وَمَحَا عَنْهُ كُلَّ خَطِيئَةٍ زَلَفَهَا بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا. وَلِلنَّسَائِيِّ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ أَزْلَفَهَا. وَزَلَّفَ بِالتَّشْدِيدِ وَأَزْلَفَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَيْ: أَسْلَفَ وَقَدَّمَ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: أَزْلَفَ الشَّيْءَ قَرَّبَهُ وَزَلَفَهُ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا قَدَّمَهُ. وَفِي الْجَامِعِ: الزُّلْفَةُ تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ: زَلَفَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ: جَمَعَ وَكَسَبَ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا الْقُرْبَةُ فَلَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْرِ، فَعَلَى هَذَا تَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، لَكِنْ مَنْقُولُ الْخَطَّابِيِّ يُسَاعِدُهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مَا سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ كِتَابَةُ الْحَسَنَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ كَتَبَ اللَّهُ أَيْ: أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: يَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ اكْتُبُوا فَقِيلَ: إِنَّ الْمُصَنِّفَ أَسْقَطَ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَمْدًا لِأَنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْكَافِرُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّقَرُّبُ، فَلَا يُثَابُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الصَّادِرِ مِنْهُ فِي شِرْكِهِ ; لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُتَقَرِّبِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا لِمَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى تَقْرِيرِ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَاسْتَضْعَفَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ - بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ - أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا فَعَلَ أَفْعَالًا جَمِيلَةً كَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ ثَوَابَ ذَلِكَ يُكْتَبُ لَهُ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْتَدُّ بِبَعْضِ أَفْعَالِ الْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَتُهَا إِذَا أَسْلَمَ وَتُجْزِئُهُ، انْتَهَى.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كِتَابَةِ الثَّوَابِ لِلْمُسْلِمِ فِي حَالِ إِسْلَامِهِ تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ وَإِحْسَانًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِ عَمَلِهِ الصَّادِرِ مِنْهُ فِي الْكُفْرِ مَقْبُولًا، وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا تَضَمَّنَ كِتَابَةَ الثَّوَابِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَبُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ يَصِيرُ مُعَلَّقًا عَلَى إِسْلَامِهِ فَيُقْبَلُ وَيُثَابُ إِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا قَوِيٌّ، وَقَدْ جَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ، إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ


(١) هي عشرون جزءا في الحديث، تخريج القاضي أبي الحسين علي بن حسن الخلعى الموصلي المتوفى سنة ٤٤٨