قَوْلُهُ: (وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ رَاضِعٍ وَهُوَ اللَّئِيمُ، فَمَعْنَاهُ: الْيَوْمَ يَوْمُ اللِّئَامِ؛ أَيِ: الْيَوْمُ يَوْمُ هَلَاكِ اللِّئَامِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ شَخْصًا كَانَ شَدِيدَ الْبُخْلِ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ حَلْبَ نَاقَتِهِ ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا لِئَلَّا يَحْلُبَهَا فَيَسْمَعَ جِيرَانُهُ أَوْ مَنْ يَمُرُّ بِهِ صَوْتَ الْحَلْبِ فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ اللَّبَنَ، وَقِيلَ: بَلْ صَنَعَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَبَدَّدَ مِنَ اللَّبَنِ شَيْءٌ إِذَا حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يَبْقَى فِي الْإِنَاءِ شَيْءٌ إِذَا شَرِبَهُ مِنْهُ، فَقَالُوا فِي الْمَثَلِ: أَلْأَمُ مِنْ رَاضِعٍ، وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَى الْمَثَلِ ارْتَضَعَ اللُّؤْمَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَقِيلَ: كُلُّ مَنْ كَانَ يُوصَفُ بِاللُّؤْمِ يُوصَفُ بِالْمَصِّ وَالرَّضَاعِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ يَمُصُّ طَرَفَ الْخِلَالِ إِذَا خَلَّ أَسْنَانَهُ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شِدَّةِ الْحِرْصِ. وَقِيلَ: هُوَ الرَّاعِي الَّذِي لَا يَسْتَصْحِبُ مِحْلَبًا، فَإِذَا جَاءَهُ الضَّيْفُ اعْتَذَرَ بِأَنْ لَا مِحْلَبَ مَعَهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ ارْتَضَعَ ثَدْيَهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: هُوَ الَّذِي يَرْتَضِعُ الشَّاةَ أَوِ النَّاقَةَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَلْبِ مِنْ شِدَّةِ الشَّرَهِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ الشَّاةُ تَرْضَعُ لَبَنَ شَاتَيْنِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنِ ارْتَضَعَ كَرِيمَةً فَأَنْجَبَتْهُ وَلَئِيمَةً فَهَجَّنَتْهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ الْحَرْبُ مِنْ صِغَرِهِ وَتَدَرَّبَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدٌ عَلَيْكُمْ تُفَارِقُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَا تَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: قَوْلُهُ: الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، يَجُوزُ الرَّفْعُ فِيهِمَا وَنَصْبُ الْأَوَّلِ وَرَفْعُ الثَّانِي عَلَى جَعْلِ الْأَوَّلِ ظَرْفًا، قَالَ: وَهُوَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ الظَّرْفُ وَاسِعًا وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الثَّانِي. قَالَ: وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ فِي اللُّؤْمِ: رَضَعَ بِالْفَتْحِ يُرْضِعُ بِالضَّمِّ رَضَاعَةً لَا غَيْرُ، وَرَضِعَ الصَّبِيُّ - بِالْكَسْرِ - ثَدْيَ أُمِّهِ يَرْضَعُ - بِالْفَتْحِ - رَضَاعًا مِثْلَ سَمِعَ يَسْمَعُ سَمَاعًا. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَأَقْبَلْتُ أَرْمِيهُمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ، وَفِيهِ: فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي رِجْلِهِ فَخَلَصَ السَّهْمُ إِلَى كَعْبِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُهُمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ مِنْهُمْ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ، فَإِذَا تَضَايَقَ الْخَيْلُ فَدَخَلُوا فِي مُضَايَقَةٍ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَمَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَكَانَ سَلَمَةُ مِثْلَ الْأَسَدِ، فَإِذَا حَمَلَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَرَّ ثُمَّ عَارَضَهُمْ فَنَضَجهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ.
قَوْلُهُ: (اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَعِيرٍ إِلَّا خَلَفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَتَخَفَّفُونَ بِهَا، قَالَ: فَأَتَوْا مَضِيقًا، فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ فَجَلَسُوا يَتَغَدَّوْنَ، فَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبُرْجِ. قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ، فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ فَتَهَدَّدَهُمْ فَرَجَعُوا، قَالَ: فَمَا بَرَحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوَّلُهُمِ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: احْذُوهُمْ، فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ، فَلَحِقَهُ أَبُو قَتَادَةَ فَقَتَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَتَحَوَّلَ عَلَى الْفَرَسِ، قَالَ: وَاتَّبَعْتُهُمْ عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا، فَعَدَلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: ذِي قَرَدٍ، فَشَرِبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ، قَالَ: فَجَلَاهُمْ عَنْهُ حَتَّى طَرَدَهُمْ، وَتَرَكُوا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ فجئت بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَقَالَ: إِنَّ الْأَخْرَمَ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ: حَبِيبُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَدَلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ لَهُ اسْمَانِ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ وَالنَّاسُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: وَأَتَانِي عَمِّي عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا لَبَنٌ، فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنْهُمْ، وَنَحَرَ لَهُ بِلَالٌ نَاقَتَهُ.
قَوْلُهُ: (قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ)؛ أَيْ: مَنَعْتُهُمْ مِنَ الشُّرْبِ.
قَوْلُهُ: (فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَلِّنِي أَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُهُمْ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، قَالَ: فَضَحِكَ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute