قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: مَنِ السَّائِقُ، وَفِيهِ مُبَارَزَةُ عَلِيٍّ، لِمَرْحَبٍ وَقَتْلُ عَامِرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ حِينَ خَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحِ مِنَ التَّارِيخِ لِغَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ، وَيُحْتَمَلُ فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ أَنْ تَكُونَ إِغَارَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ عَلَى اللِّقَاحِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ؛ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَهِيَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ رَأْسُ الَّذِينَ أَغَارُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُيَيْنَةَ كَمَا فِي سِيَاقِ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ ذَكَرَ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى ذِي قَرَدٍ تَكَرَّرَ، فَفِي الْأَوَّلِ خَرَجَ إِلَيْهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَبْلَ أُحُدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي رَبِيعٍ الْآخَرَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَالثَّالِثَةُ هَذِهِ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا، انْتَهَى. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَوِيَ هَذَا الْجَمْعُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ هُوَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَالِيًا فِي الْجِهَادِ عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ أَحَدُ ثُلَاثِيَّاتِهِ.
قَوْلُهُ: (خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى) يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قوله فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ تَبِعَهُمْ مِنَ الْغَلَسِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَفِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ: خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ) اللِّقَاحُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ: ذَوَاتُ الدَّرِّ مِنَ الْإِبِلِ، وَاحِدُهَا لِقْحَةٌ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا، وَاللَّقُوحُ الْحَلُوبُ. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ لِقْحَةً، قَالَ: وَكَانَ فِيهِمِ ابْنُ أَبِي ذَرٍّ وَامْرَأَتُهُ، فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَسَرُوا الْمَرْأَةَ.
قَوْلُهُ: (فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ رَبَاحَ غُلَامَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مِلْكَ أَحَدِهِمَا وَكَانَ يَخْدُمُ الْآخَرَ، فَنُسِبَ تَارَةً إِلَى هَذَا وَتَارَةً إِلَى هَذَا.
قَوْلُهُ: (غَطَفَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، تَقَدَّمَ بَيَانُ نَسَبِهِمْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَفِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ: غَطَفَانَ وَفَزَارَةَ، وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ فَزَارَةَ مِنْ غَطَفَانَ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلَامِهِ وَأَنَا مَعَهُ، وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أَنْدُبُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ. وَلِأَحْمَدَ، وَابْنِ سَعْدٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ وَقَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ وَقَتَلَ رَاعِيَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، خُذْ هَذَا الْفَرَسَ وَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ، وَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْخَبَرَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَلَمَةَ: خَرَجْتُ بِقَوْسِي وَنَبْلِي، وَكُنْتُ أَرْمِي الصَّيْدَ، فَإِذَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ قَدْ أَغَارَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَاقَهَا. وَلَا مُنَافاة، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ كَانَ فِي الْقَوْمِ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ كَانَ أَيْضًا رَئِيسًا فِي فَزَارَةَ فِي هَذِهِ الْغُزَاةِ.
قَوْلُهُ: (فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: بِثَلَاثِ بِزِيَادَةِ الْمُوَحَّدَةِ؛ وَهِيَ لِلِاسْتِغَاثَةِ.
قَوْلُهُ: (فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الصَّوْتِ جِدًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ. وَلِمُسْلِمٍ: فَعَلَوْتُ أَكْمَةً فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ: فَصَعِدْتُ فِي سَلَعٍ ثُمَّ صِحْتُ: يَا صَبَاحَاهُ، فَانْتَهَى صِيَاحِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَنُودِيَ فِي النَّاسِ: الْفَزَعَ الْفَزَعَ، وَهُوَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بِمَعْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (يَا صَبَاحَاهُ) هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ اسْتِنْفَارِ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ عَدُوِّهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي)؛ أَيْ: لَمْ أَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، بَلْ أَسْرَعْتُ الْجَرْيَ. وَكَانَ شَدِيدَ الْعَدْوِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ) فِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ: حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا يَعْنِي اللِّقَاحَ، ذَكَرَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْضَارِ الْحَالِ.
قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلْتُ أَرْمِيهِمْ)؛ أَيْ: أَقْبَلْتُ عَلَيْهِمْ أَرْمِيهِمْ (١)، أَيْ بِالسِّهَامِ.
(١) نسخة المتن "فجعلت أرميهم"