رَوَى عَنْهُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ. وَاخْتُلِفَ فِي كُنْيَةِ هِلَالٍ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَبُو عَمْرٍو، وَقِيلَ: أَبُو أُمَيَّةَ، وَقِيلَ: أَبُو الْجَهْمِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: ابْنُ زِيَادٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عُصْفُرِيٌّ كُوفِيٌّ. وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ لَحِقَ عَصْرَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُ رِوَايَةً عَنْ صَحَابِيٍّ.
قَوْلُهُ: (مُسَنَّمًا) أَيْ: مُرْتَفِعًا، زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ: وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَذَلِكَ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَسْنِيمُ الْقُبُورِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَالْمُزَنِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَحَبُّوا التَّسْطِيحَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ. وَقَوْلُ سُفْيَانَ التَّمَّارِ لَا حُجَّةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ قَبْرَهُ ﷺ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ مُسَنَّمًا، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّةُ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ. زَادَ الْحَاكِمُ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُقَدَّمًا، وَأَبَا بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ ﷺ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ ﷺ. وَهَذَا كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، فَكَأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَوَّلِ مُسَطَّحَةً، ثُمَّ لَمَّا بُنِيَ جِدَارُ الْقَبْرِ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ صَيَّرُوهَا مُرْتَفِعَةً.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى ابْنِ بِنْتِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ بِسْطَامٍ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَرَأَيْتُهُ مُرْتَفِعًا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَرَأَيْتُ قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَرَاءَ قَبْرِهِ، وَرَأَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ وَرَاءَ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ أَسْفَلَ مِنْهُ. ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ لَا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ، وَرَجَّحَ الْمُزَنِيُّ التَّسْنِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْمُسَطَّحَ يُشْبِهُ مَا يُصْنَعُ لِلْجُلُوسِ بِخِلَافِ الْمُسَنَّمِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَبْنِيَةَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَهُوَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ فَكَانَ التَّسْنِيمُ أَوْلَى. وَيُرَجِّحُ التَّسْطِيحَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَبْرٍ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا فَرْوَةُ) هُوَ ابْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، وَعَلِيٌّ هُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْحَائِطُ) أَيْ: حَائِطُ حُجْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْهُمْ: وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ إِلَى الْقَبْرِ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرُفِعَ حَتَّى لَا يُصَلِّيَ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَلَمَّا هُدِمَ بَدَتْ قَدَمٌ بِسَاقٍ وَرُكْبَةٍ، فَفَزِعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَتَاهُ عُرْوَةُ، فَقَالَ: هَذَا سَاقُ عُمَرَ وَرُكْبَتُهُ، فَسُرِّيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرَوَى الْآجُرِّيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، قَالَ: كَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَكَانَ قَدِ اشْتَرَى حُجَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنِ اهْدِمْهَا وَوَسِّعْ بِهَا الْمَسْجِدَ، فَقَعَدَ عُمَرُ فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَدْمِهَا، فَمَا رَأَيْتُهُ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ بَنَاهُ كَمَا أَرَادَ. فَلَمَّا أَنْ بَنَى الْبَيْتَ عَلَى الْقَبْرِ وَهَدَمَ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ ظَهَرَتِ الْقُبُورُ الثَّلَاثَةُ، وَكَانَ الرَّمْلُ الَّذِي عَلَيْهَا قَدِ انْهَارَ، فَفَزِعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَيُسَوِّيَهَا بِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّكَ إِنْ قُمْتَ قَامَ النَّاسُ مَعَكَ، فَلَوْ أَمَرْتَ رَجُلًا أَنْ يُصْلِحَهَا، وَرَجَوْتُ أَنَّهُ يَأْمُرُنِي بِذَلِكَ، فَقَالَ: يَا مُزَاحِمُ - يَعْنِي مَوْلَاهُ - قُمْ فَأَصْلِحْهَا. قَالَ رَجَاءٌ: وَكَانَ قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ وَسَطِ النَّبِيِّ ﷺ، وَعُمَرَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، رَأْسُهُ عِنْدَ وَسَطِهِ.
وَهَذَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ حَدِيثَ الْقَاسِمِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ، وَإِلَّا فَحَدِيثُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ: أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ. فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute