للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَمْ تُرْفَعْ أَصْلًا وَرَأْسًا. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: يُسْتَفَادُ هَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ قَوْلِهِ: الْتَمِسُوهَا بَعْدَ إِخْبَارِهِمْ بِأَنَّهَا رُفِعَتْ، وَمِنْ كَوْنِ أَنَّ وُقُوعَ التَّلَاحِي فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ قَوْلِهِ: فَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا فَإِنَّ وَجْهَ الْخَيْرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ خَفَاءَهَا يَسْتَدْعِي قِيَامَ كُلِّ الشَّهْرِ أَوِ الْعَشْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَتْ مَعْرِفَةُ تَعْيِينِهَا.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فَقَالَ: عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ عُبَادَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ عُبَادَةَ وَأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِهِ.

قَوْلُهُ: (فَتَلَاحِي) بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ: وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا مُلَاحَاةٌ، وَهِيَ الْمُخَاصَمَةُ وَالْمُنَازَعَةُ وَالْمُشَاتَمَةُ، وَالِاسْمُ اللِّحَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَجَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَانِ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَزَادَ أَنَّهُ لَقِيَهُمَا عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ فَحَجَزَ بَيْنَهُمَا، فَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى سَبَبِ النِّسْيَانِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنَسِيتُهَا وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعَدُّدِ بِأَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنَامًا فَيَكُونَ سَبَبُ النِّسْيَانِ الْإِيقَاظَ، وَأَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ فِي الْيَقِظَةِ فَيَكُونَ سَبَبُ النِّسْيَانِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُخَاصَمَةِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَيَكُونَ النِّسْيَانُ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ عَنْ سَبَبَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَسَمِعْتُ تَلَاحِيَ الرَّجُلَيْنِ فَقُمْتُ لِأَحْجِزَ بَيْنَهُمَا فَنَسِيتُهَا لِلِاشْتِغَالِ بِهِمَا، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قَالُوا: بَلَى. فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَأَنَا أَعْلَمُهَا ثُمَّ أُنْسِيتُهَا فَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ النِّسْيَانِ، وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي الْحَمْلَ عَلَى التَّعَدُّدِ.

قَوْلُهُ: (رَجُلَانِ) قِيلَ: هُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا.

قَوْلُهُ: (لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ) أَيْ: بِتَعْيِينِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.

قَوْلُهُ: (فَرُفِعَتْ) أَيْ: مِنْ قَلْبِي، فَنَسِيتُ تَعْيِينَهَا لِلِاشْتِغَالِ بِالْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَرُفِعَتْ بَرَكَتُهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَقِيلَ: التَّاءُ فِي رُفِعَتْ لِلْمَلَائِكَةِ لَا لِلَّيْلَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ: رُفِعَتْ أَيْ: مَعْرِفَتُهَا، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَفْعَهَا مَسْبُوقٌ بِوُقُوعِهَا، فَإِذَا وَقَعَتْ لَمْ يَكُنْ لِرَفْعِهَا مَعْنًى، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِرَفْعِهَا أَنَّهَا شُرِعَتْ أَنْ تَقَعَ فَلَمَّا تَخَاصَمَا رُفِعَتْ بَعْدُ، فَنُزِّلَ الشُّرُوعُ مَنْزِلَةَ الْوُقُوعِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي ارْتَفَعَ عِلْمُ تَعْيِينِهَا تِلْكَ السَّنَةَ فَهَلْ أُعْلِمَ النَّبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَعْيِينِهَا؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهُ أُعْلِمَ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ وَاهِبٍ الْمُغَافِرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْلَمُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ فَقَالَتْ: لَا، لَوْ عَلِمَهَا لَمَا أَقَامَ النَّاسُ غَيْرَهَا اهـ.

وَهَذَا قَالَتْهُ احْتِمَالًا وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّعَبُّدُ وَقَعَ بِذَلِكَ أَيْضًا فَيَحْصُلُ الِاجْتِهَادُ فِي جَمِيعِ الْعَشْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ، فِي الْحَلَبِيَّاتِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ اسْتِحْبَابَ كِتْمَانِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِمَنْ رَآهَا ; قَالَ: وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِنَبِيِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُخْبَرْ بِهَا، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِيمَا قُدِّرَ لَهُ فَيُسْتَحَبُّ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ذَلِكَ عَنِ الْحَاوِي قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهَا كَرَامَةٌ وَالْكَرَامَةُ يَنْبَغِي كِتْمَانُهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الطَّرِيقِ مِنْ جِهَةِ رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَلَا يَأْمَنُ السَّلْبَ، وَمِنْ جِهَةِ أَنْ لَا يَأْمَنَ الرِّيَاءَ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَدَبِ فَلَا يَتَشَاغَلُ عَنِ الشُّكْرِ لِلَّهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَذِكْرِهَا لِلنَّاسِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْحَسَدَ فَيُوقِعُ غَيْرَهُ فِي الْمَحْذُورِ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ : ﴿يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ الْآيَةَ.

قَوْلُهُ: (فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّاسِعَةِ تَاسِعَ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَتَكُونَ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا تَاسِعَ لَيْلَةٍ تَبْقَى مِنَ الشَّهْرِ فَتَكُونَ لَيْلَةَ إِحْدَى