لِعُمَرَ وَبَيَانُ فَضْلِهِ وَزُهْدِهِ وَإِيثَارِهِ. قُلْتُ: وَكَذَا لِابْنِ السَّعْدِيِّ فَقَدْ طَابَقَ فِعْلُهُ فِعْلَ عُمَرَ سَوَاءً، وَفِي سَنَدِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي نَسَقٍ السَّائِبُ، وَحُوَيْطِبُ، وَابْنُ السَّعْدِيِّ، وَعُمَرُ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَذَكَرْتُ أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَوْهَمَ كَلَامُ الْمِزِّيِّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ رِوَايَةَ شُعَيْبٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ مُتَّفِقَتَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَقَعَتِ الْمُقَارَضَةُ لِمُسْلِمٍ، وَالْبُخَارِيِّ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الرُّبَاعِيَّيْنِ، فَأَوْرَدَ مُسْلِمٌ الرُّبَاعِيَّ الَّذِي فِي سَنَدِهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِ، وَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ بِنُقْصَانِ وَاحِدَةٍ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلَ كِتَابِ الْفِتَنِ وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الرُّبَاعِيَّ الَّذِي فِي سَنَدِهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ بِتَمَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ بِنُقْصَانِ رَجُلٍ، وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ مَا اتُّفِقَ.
وَقَدْ وَافَقَ شُعَيْبًا عَلَى زِيَادَةِ حُوَيْطِبَ فِي السَّنَدِ الزُّبَيْدِيُّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَهُ، وَمَعْمَرٌ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ جَزَمَ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ بِأَنَّ السَّائِبَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنِ ابْنِ السَّعْدِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِّينَا عَنِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ فِي كِتَابِهِ الرُّبَاعِيَّاتِ أَنَّ الزُّبَيْدِيَّ، وَشُعَيْبَ بْنَ حَمْزَةَ، وَعُقَيْلَ بْنَ خَالِدٍ، وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ، وَعَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِذِكْرِ حُوَيْطِبَ، ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقَهُمْ بِأَسَانِيدَ مُطَوَّلَةٍ. قَالَ: وَرَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَسْقَطَ ذِكْرَ حُوَيْطِبَ، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرَ فَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْهُ كَالنُّعْمَانِ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ فَأَسْقَطَ اثْنَيْنِ جَعَلَهُ عَنِ السَّائِبِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ حُوَيْطِبَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهْمًا مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ، وَإِلَّا فَذِكْرُهُ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمُ السَّنَدَ الْمَذْكُورَ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ:
وَفِي الْعُمَالَةِ إِسْنَادٌ بِأَرْبَعَةٍ … مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِ عَنْهُمُ ظَهَرَا
السَّائِبُ بْنُ يزَيْدَ، عَنْ حُوَيْطِبٍ … عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَا
قَوْلُهُ: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِلَى الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِالسَّنَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إِلَى عُمَرَ، وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَاقَهُ عَلَى رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَيْنَ السِّيَاقَيْنِ تَفَاوُتٌ إِلَّا فِي قِصَّةِ ابْنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ فَلَمْ يَسُقْهَا مُسْلِمٌ وَإِلَّا مَا بَيَّنْتُهُ، وَزَادَ سَالِمٌ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ قُلْتُ: وَهَذَا بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ هَدَايَا الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَهُوَ أَخُو صَفِيَّةَ زَوْجِ ابْنِ عُمَرَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ وَطَرَدَ عُمَّالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَقَامَ أَمِيرًا عَلَيْهَا مُدَّةً فِي غَيْرِ طَاعَةِ خَلِيفَةٍ وَتَصَرَّفَ فِيمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهَا مِنَ الْمَالِ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْبَلُ هَدَايَاهُ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَضُرُّهُ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ وَصَلَ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ يَرَى أَنَّ التَّبِعَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْآخِذِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَنَّ لِلْمُعْطِي الْمَذْكُورِ مَالًا آخَرَ فِي الْجُمْلَةِ وَحَقًّا مَا فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ، فَلَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ وَأَعْطَاهُ لَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا اسْتِشْرَافٍ
فَخُذْهُ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا عَلِمَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute