للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيهِ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ﴾. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي أنا الرَّزَّاقُ، أَنَّ الْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ وَالْبَحْثُ فِيهَا.

قَوْلُهُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ)، أَيِ: ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ كَبِيرَ بَنِي هَاشِمٍ فِي وَقْتِهِ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ وَلَهُ عَارِضَةٌ وَهَيْئَةٌ، وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْدِيُّ: مَا كَانَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ يُكْرِمُونَ أَحَدًا مَا يُكْرِمُونَهُ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْ عَمِّ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ وَعَنْ غَيْرِهَا، وَمَاتَ فِي حَبْسِ الْمَنْصُورِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي بِالْوَاقِعِ فِي حَالِ تَحَمُّلِهِ، وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي وَلَا أَخْبَرَنِي، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالتَّحْدِيثِ، وَقَدْ سَلَكَ فِي ذَلِكَ النَّسَائِيُّ، وَالْبَرْقَانِيُّ مَسْلَكَ التَّحَرِّي، فَكَانَ النَّسَائِيُّ فِيمَا سَمِعَهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُحَدِّثُ فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ، لَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا، وَلَا أَخْبَرَنَا، وَلَا سَمِعْتُ، بَلْ يَقُولُ: فُلَانٌ قَرَأَهُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، وَكَانَ الْبَرْقَانِيُّ يَقُولُ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ، وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُ إِطْلَاقَ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ جِنْسِ مَنْ سَمِعَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَكِنْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا،

أَيْ: حَدَّثَ قَوْمًا أَنَا فِيهِمْ، فَسَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ حَدَّثَ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْنِي بِالتَّحْدِيثِ، وَعَلَى هَذَا فَيَمْتَنِعُ بِالْإِفْرَادِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: حَدَّثَنِي، بَلْ وَيَمْتَنِعُ فِي الِاصْطِلَاحِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ التَّعْبِيرُ بِالسَّمَاعِ أَصْرَحَ الصِّيَغِ لِكَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى الْوَاقِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْبَابِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِي الدَّعَوَاتِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي ذَكَرَهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَنْعَنَةِ، قَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ وَلَا حَدَّثَنَا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا صِيغَةٌ مُحْتَمِلَةٌ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَعَيُّنَ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ، وَلِهَذَا نَزَلَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ دَرَجَةً؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِوَاسِطَةِ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُنَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اثْنَانِ، لَكِنْ سَهَّلَ عَلَيْهِ النُّزُولَ تَحْصِيلُ فَائِدَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْوَاقِعِ، وَفِيهَا تَصْرِيحُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالسَّمَاعِ فِي مَوْضِعِ الْعَنْعَنَةِ، فَأَمَّا مَنْ يُخْشَى مِنَ الِانْقِطَاعِ الَّذِي تَحْتَمِلُهُ الْعَنْعَنَةُ، وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنِ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ، عَنْ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَخَالِدٌ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ النَّازِلَةُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَقْصُودِ بِالتَّحْدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ:

وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكِ الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ لِلْقَسَمِ أَوْ لِلِاسْتِعْطَافِ، وَمَعْنَاهُ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي قُدْرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَقَوْلُهُ: فَاقْدُرْهُ بِضَمِّ الدَّالِّ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، أَيْ: نَجِّزْهُ لِي، وَرَضِّنِي بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ، أَيِ: اجْعَلْنِي بِذَلِكَ رَاضِيًا فَلَا أَنْدَمُ عَلَى طَلَبِهِ وَلَا عَلَى وُقُوعِهِ؛ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ عَاقِبَتَهُ وَإِنْ كُنْتُ حَالَ طَلَبِهِ رَاضِيًا بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَيُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، فَيُسَمِّيهِ مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ، يَعْنِي أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لِيَقُلْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ فِيهِ