وَآخَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُ الْبُخَارِيِّ: قَالَ الْأَعْمَشُ: مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، انْتَهَى. وَتَسْمِيَةُ هَذَا مُرْسَلًا مُخَالِفٌ لِلِاصْطِلَاحِ، وَالتَّعْلِيلُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مُعَلَّقَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ كُلَّ شَيْءٍ بَدَلَ الْأَصْوَاتَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مَعْنَى قَوْلِهَا: وَسِعَ أَدْرَكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي وُصِفَ بِالِاتِّسَاعِ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالضِّيقِ، وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، فَيَجِبُ صَرْفُ قَوْلِهَا عَنْ ظَاهِرِهِ، وَالْحَدِيثُ مَا يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِأَنَّ لَهُ سَمْعًا، وَكَذَا جَاءَ ذِكْرُ الْبَصَرِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ هَكَذَا أَخْرَجَهُ، وَتَمَامُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: مِمَّنْ ذَكَرْتُ بَعْدَ قَوْلِهِ: الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تُكَلِّمُهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، وَمُرَادُهَا بِهَذَا النَّفْيِ مَجْمُوعُ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ مَعْنٍ: إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا وَهِيَ تَقُولُ: أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي. الْحَدِيثَ. فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ وَهَذَا أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ الْمُجَادِلَةِ وَتَسْمِيَتِهَا، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، الْحَدِيثَ. وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اسْمَهَا كَانَ رُبَّمَا صُغِّرَ وَإِنْ كَانَ مَحْظُوظًا فَتَكُونُ نُسِبَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِجَدِّهَا، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِالْأَوَّلِ فَفِي مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ تَظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِنْ مُرْسَلِ أَبِي الْعَالِيَةَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ دُلَيْحٍ تَحْتَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ سَيِّئِ الْخُلُقِ فَنَازَعَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَدُلَيْحٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ لَعَلَّهُ مِنْ أَجْدَادِهَا، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَوَصَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالرِّوَايَةُ الْمُرْسَلَةُ أَقْوَى، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ الَّذِي ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ، وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ وَهَذَا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: عَنْ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، أَيْ: عَنْ قِصَّةِ أَوْسٍ لَا أَنَّ عُرْوَةَ حَمَلَهُ عَنْ أَوْسٍ فَيَكُونُ مُرْسَلًا كَالرِّوَايَةِ الْمَحْفُوظَةِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاوِي حَفِظَهَا أَنَّهَا جَمِيلَةُ، فَلَعَلَّهُ كَانَ لَقَبَهَا وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ إِلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَادَلَتْ فِي زَوْجِهَا هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ الصَّامِتِ، وَأُمُّهَا مُعَاذَةُ أَمَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ. وَقَوْلُهُ: بِنْتُ الصَّامِتِ خَطَأٌ، فَإِنَّ الصَّامِتَ وَالِدُ زَوْجِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَتَسْمِيَةُ أُمِّهَا غَرِيبٌ، وَقَدْ مَضَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالظِّهَارِ فِي النِّكَاحِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ النَّهْدِيُّ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ، وَقَدْ مَضَى شَرْحُ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ، وَقَوْلُهُ: أَرْبِعُوا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيِ: ارْفُقُوا بِضَمِّ الْفَاءِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَأَنَّهُ فِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِفَتْحِهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُون أَصَمَّ إِلَخْ.
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَوْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ: لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا أَعْمَى لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُنَاسَبَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَائِبُ كَالْأَعْمَى فِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ نَفَى لَازِمَهُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ وَأَشْمَلَ، وَزَادَ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ الْبَعِيدَ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute