أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ حَدَّثَتْهُ قال النبي ﷺ: "إِنَّ جِبْرِيلَ ﵇ نَادَانِي قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ
قَوْلُهُ: (بَابُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى: سَمِيعٌ بَصِيرٌ عَلِيمٌ، قَالَ: وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَنْ يُسَوِّيَهُ بِالْأَعْمَى الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ السَّمَاءَ خَضْرَاءَ وَلَا يَرَاهَا، وَالْأَصَمُّ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ فِي النَّاسِ أَصْوَاتًا وَلَا يَسْمَعُهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ سَمِعَ وَأَبْصَرَ أَدْخَلُ فِي صِفَةِ الْكَمَالِ مِمَّنِ انْفَرَدَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخِرِ، فَصَحَّ أَنَّ كَوْنَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا يُفِيدُ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى كَوْنِهِ عَلِيمًا، وَكَوْنَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ يَسْمَعُ بِسَمْعٍ وَيُبْصِرُ بِبَصَرٍ، كَمَا تَضَمَّنَ كَوْنُهُ عَلِيمًا أَنَّهُ يَعْلَمُ بِعِلْمٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِثْبَاتِ كَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَبَيْنَ كَوْنِهِ ذَا سَمْعٍ وَبَصَرٍ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً، انْتَهَى.
وَاحْتَجَّ الْمُعْتَزِلِيُّ بِأَنَّ السَّمْعَ يَنْشَأُ عَنْ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمَسْمُوعِ إِلَى الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي أَصْلِ الصِّمَاخِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجَوَارِحِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ يَكُونُ حَيًّا، فَيَخْلُقُهُ اللَّهُ عِنْدَ وُصُولِ الْهَوَاءِ إِلَى الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ ﷾ يَسْمَعُ الْمَسْمُوعَاتِ بِدُونِ الْوَسَائِطِ، وَكَذَا يَرَى الْمَرْئِيَّاتِ بِدُونِ الْمُقَابَلَةِ وَخُرُوجِ الشُّعَاعِ، فَذَاتُ الْبَارِي مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا مَوْجُودًا لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ، فَكَذَلِكَ صِفَاتُ ذَاتِهِ لَا تُشْبِهُ الصِّفَاتِ. وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَابِ: وَكَانَ ﴿عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: السَّمِيعُ مَنْ لَهُ سَمْعٌ يُدْرِكُ بِهِ الْمَسْمُوعَاتِ، وَالْبَصِيرُ: مَنْ لَهُ بَصَرٌ يُدْرِكُ بِهِ الْمَرْئِيَّاتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْبَارِي صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَقَدْ أَفَادَتِ الْآيَةُ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، بِمَعْنَى عَلِيمٍ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَؤُهَا، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ.
قَالَ أَبُو يُونُسَ: وَضَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَرَادَ هَذِهِ الْإِشَارَةَ تَحْقِيقَ إِثْبَاتِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ بِبَيَانِ مَحَلِّهِمَا مِنَ الْإِنْسَانِ، يُرِيدُ أَنَّ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِلْمُ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَشَارَ إِلَى الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْجَارِحَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ رَبَّنَا سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ. وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ حَدِيثُ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَاكَ هُنَاكَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ رَفَعَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَتَيْنِ يَتَبَخْتَرُ فِيهِمَا فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فَمَقَتَهُ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ مَضَى فِي اللِّبَاسِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، وَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ: ﴿وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ وَوَرَدَ فِي السَّمْعِ قَوْلُ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ مَقْطُوعٌ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيمٍ) هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَوَصَلَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ: تَبَارَكَ، وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ، وَلَيْسَ لِتَمِيمٍ الْمَذْكُورِ عَنْ عُرْوَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute