بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا - أَيْ: صُلْبَةٌ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْعِزَّةُ تَكُونُ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ فَتَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْقُدْرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِالتَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ الْعِزَّةِ لِلَّهِ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْعَزِيزُ بِلَا عِزَّةٍ، كَمَا قَالُوا: الْعَلِيمُ بِلَا عِلْمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَقُولُ جَهَنَّمُ: قَطْ قَطْ، وَعِزَّتِكَ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ق مَعَ شَرْحِهِ، وَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ فِيهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وَقَدْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا هُنَا فِي آخِرِ الْبَابِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَقَلَ عَنْ جَهَنَّمَ أَنَّهَا تَحْلِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ، وَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ، فَيَحْصُلُ الْمُرَادُ سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ النَّاطِقَةُ حَقِيقَةً أَمِ النَّاطِقُ غَيْرُهَا كَالْمُوَكَّلِينَ بِهَا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَخْ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ تَقَدَّمَ مَعَ شَرْحِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ: لَا وَعِزَّتِكَ وَتَوْجِيهُهُ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِلَخْ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مَذْكُورٍ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِهِ: عَشْرَةُ أَمْثَالِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَيُّوبُ ﵇: وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي لَا غَنَاءً وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا، وَكَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ السَّرَخْسِيِّ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَأَوَّلُهُ: بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ شَرْحِهِ، وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ: لَمَّا عَافَى اللَّهُ أَيُّوبَ، أَمْطَرَ عَلَيْهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: (أَبُو مَعْمَرٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمِنْقَرِيُّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْقَافِ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، وَحُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ هُوَ ابْنُ ذَكْوَانَ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ ضَمُّ مِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْعَائِدُ لِلْمَوْصُولِ مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ نَفْسُ الْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ فَيَحْصُلُ الِارْتِبَاطُ. وَمِثْلُهُ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ؛ لِأَنَّ نَسَقَ الْكَلَامِ سَمَّتْهُ أُمُّهُ.
قَوْلُهُ: (الَّذِي لَا يَمُوتُ) بِلَفْظِ الْغَائِبِ لِلْأَكْثَرِ، وَفِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْخِطَابِ.
قَوْلُهُ: (وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَمُوتُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَا اعْتِبَارَ لَهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَيُعَارِضُهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِمْ فِي مُسَمَّى الْجِنِّ؛ لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الِاسْتِتَارِ عَنْ عُيُونِ الْإِنْسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الدَّعَوَاتِ وَفِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فِي الْبَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ مِنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ شُعْبَةَ فِي تَفْسِيرِ ق، وَسَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ: خَلِيفَةَ وَهُوَ ابْنُ خَيَّاطٍ الْبَصْرِيُّ، وَلَقَبُهُ شَبَابٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْهُ: لَا يَزَالُ يُلْقَى فِي النَّارِ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ التَّيْمِيُّ وَالِدُ مُعْتَمِرٍ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ: لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَالضَّمِيرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بِهَذَيْنِ السَّنَدَيْنِ، وَفِي أَوَّلِهِ لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ: حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا قَدَمَهُ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعِزَّةِ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ بَيَانُ مَنْ يَضَعُ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ق مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَيَضَعُ