كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ وَفِيهِ فَإِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ كَذَا فِيهِ الظُّهْرُ فَقَطْ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ عُقَيْلٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بْيَنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ أَبَى جَمْعَ التَّقْدِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَبَابَةَ فَقَالَ: كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأُعِلَّ بِتَفَرُّدِ إِسْحَاقَ بِذَلِكَ عَنْ شَبَابَةَ ثُمَّ تَفَرَّدَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ بِهِ عَنْ إِسْحَاقَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فَإِنَّهُمَا إِمَامَانِ حَافِظَانِ. وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الْأَرْبَعِينَ لِلْحَاكِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ هُوَ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ هُوَ أَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ قَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ فِي نُسَخٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأَرْبَعِينَ بِزِيَادَةِ الْعَصْرِ، وَسَنَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ جَيِّدٌ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَهِيَ مُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ لِرِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ إِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً، لَكِنْ فِي ثُبُوتِهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَاكِمِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَقْرُونًا بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَقَالَ: إِنَّ لَفْظَهُمَا سَوَاءٌ، إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَفِي رِوَايَةِ حَسَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْمَشْهُورُ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطَّوِيلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقَدْ أَعَلَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِتَفَرُّدِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الضُّعَفَاءِ أَدْخَلَهُ عَلَى قُتَيْبَةَ، حَكَاهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَهِشَامٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الزُّبَيْرِ، كَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَتِهِمْ جَمْعَ التَّقْدِيمِ، وَوَرَدَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَفِي إِسْنَادِهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا مَرْفُوعًا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا فِي السَّفَرِ فَأَعْجَبَهُ أَقَامَ فِيهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ ثُمَّ يَرْتَحِلُ، فَإِذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْمَنْزِلُ مَدَّ فِي السَّيْرِ فَسَارَ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَجْزُومًا بِوَقْفِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَفْظُهُ: إِذَا كُنْتُمْ سَائِرِينَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ اسْتِحْبَابُ التَّفْرِقَةِ فِي حَالِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ سَائِرًا أَوْ نَازِلًا، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْجَمْعِ بِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، لَكِنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ. قَوْلُهُ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ نَازِلٌ، فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ نَازِلًا وَمُسَافِرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجْمَعُ إِلَّا مَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ. انْتَهَى.
وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوَّلَ قَوْلَهُ ثُمَّ دَخَلَ أَيْ فِي الطَّرِيقِ مُسَافِرًا ثُمَّ خَرَجَ أَيْ عَنِ الطَّرِيقِ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اسْتَبْعَدَهُ، وَلَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ، وَكَأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute