بَنِي إِسْرَائِيلَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ هَذَا، وَفِي التَّفْسِيرِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ مِنَ الشَّرِيفِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا وَالْقِصَاصِ مِنَ الضَّعِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ) فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، حِينَ كَانُوا إِذَا أَصَابَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ الْحَدَّ تَرَكُوهُ وَلَمْ يُقِيمُوهُ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ: وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الْوَضِيعُ قَطَعُوهُ.
قَوْلُهُ: (وَايْمُ اللَّهِ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ) هَذَا مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي صَحَّ فِيهَا أَنَّ لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ، وَقَدْ أَتْقَنَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَاجِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ: قَدْ أَعَاذَهَا اللَّهُ مِنْ أَنْ تَسْرِقَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا، وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: فَذَكَرَ عُضْوًا شَرِيفًا مِنِ امْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدَبِ الْبَالِغِ، وَإِنَّمَا خَصَّ ﷺ فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ عِنْدَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاتِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُهَا، فَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي إِثْبَاتِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اسْمَ السَّارِقَةِ وَافَقَ اسْمَهَا ﵍ فَنَاسَبَ أَنْ يُضْرَبَ الْمَثَلُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ وَالْأَكْثَرُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا وَفِي الْأَوَّلِ تَجْرِيدٌ، زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ كَمَا مَضَى فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: قُمْ يَا بِلَالُ فَخُذْ بِيَدِهَا فَاقْطَعْهَا، وَفِي أُخْرَى لَهُ: فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَطَعَهَا.
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْجٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ وَزَادَ فِيهِ: قَالَ فَشَهِدَ عَلَيْهَا، وَزَادَ يُونُسُ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَفِيهِ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَنَكَحَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِيمٍ وَتَابَتْ، وَكَانَتْ حَسَنَةَ التَّلَبُّسِ، وَكَانَتْ تَأْتِينِي فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ كَانَتْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَنِ الْقَاسِمِ جَمِيعًا عَنْ عَائِشَةَ، وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي آخِرِ حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ الْحَاكِمِ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْحَمُهَا وَيَصِلُهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهَا قَالَتْ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمَ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي التَّرْجَمَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِمَا إِذَا انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الذُّنُوبِ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ مَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ، وَأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُقِيمَهَا إِذَا بَلَغَتْهُ.
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ، فَقَالَ: لَا يُشْفَعُ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ، وَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَنْ أَوْجَبَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ وَلَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَيُدْرَأُ بِذَلِكَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ