عُبَيْدَةَ - بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهَا، وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَالْحَدِيثُ مَعَ ذَلِكَ مُرْسَلٌ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ، وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَيَزِيدُ هُوَ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ وَهُوَ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأُمُّهُ حَمِيدَةُ رَوَى عَنْهَا أَيْضًا زَوْجُهَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَأَبُوهَا عُبَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ ذَكَرُوهُ فِي الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَهُ رُؤْيَةٌ، قَالَهُ ابْنُ السَّكَنِ، قَالَ: وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: رِوَايَتُهُ مُرْسَلَةٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ فَفِيهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أَبِيهَا كَذَا سَمَّاهُ عُمَرُ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ وَلَا أَبَاهَا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ، فمن ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ، وَأَنَّ الصَّوَابَ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ لَا عُمَرُ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَابْنُ السُّنِّيِّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالُوا: يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالُوا: حَمِيدَةُ؛ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَجْهُولٌ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِخَيْرٍ، وَصِلَةٌ وَتَوَدُّدٌ لِلْجَلِيسِ، فَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: دَلَّ حَدِيثُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَلَى أَنَّهُ يُشَمَّتُ ثَلَاثًا وَيُقَالُ: أَنْتَ مَزْكُومٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، فَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى. ثُمَّ حَكَى النَّوَوِيُّ، عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ يَقُولُ لِمَنْ تَتَابَعَ عُطَاسُهُ أَنْتَ مَزْكُومٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ؟ عَلَى أَقْوَالٍ، وَالصَّحِيحُ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ أنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يُشَمَّتُ بَعْدَهَا لِأَنَّ الَّذِي بِكَ مَرَضٌ وَلَيْسَ مِنَ الْعُطَاسِ الْمَحْمُودِ النَّاشِئِ عَنْ خِفَّةِ الْبَدَنِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ مَرَضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُشَمَّتَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إِلَى الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ يُدْعَى لَهُ بِدُعَاءٍ يُلَائِمُهُ لَا بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ لِلْعَاطِسِ بَلْ مِنْ جِنْسِ دُعَاءِ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ بِالْعَافِيَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: يُكَرَّرُ التَّشْمِيتُ إِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ إِلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ مَزْكُومٌ فَيَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ، قَالَ: وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعُمُومَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الزُّكَامُ، قَالَ: وَعِنْدَ هَذ ايَسْقُطُ الْأَمْرُ بِالتَّشْمِيتِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالزُّكَامِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشَمَّتَ مَنْ عُلِمَ أَنَّ بِهِ زُكَامًا أَصْلًا، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْعِلَّةُ دُونَ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ الْمُعَلَّلُ هُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ لِيَعُمَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، بَلِ الْمُعَلَّلُ هُوَ التَّرْكُ بَعْدَ التَّكْرِيرِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَا يَلْزَمُ تَكَرُّرُ التَّشْمِيتِ لِأَنَّهُ مَزْكُومٌ، قَالَ: وَيَتَأَيَّدُ بِمُنَاسَبَةِ الْمَشَقَّةِ النَّاشِئَةِ عَنِ التَّكْرَارِ. الرَّابِعُ مِمَّنْ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ الْعَاطِسِينَ مَنْ يَكْرَهُ التَّشْمِيتَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ مَنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَكْرَهُ التَّشْمِيتَ أَنَّهُ لَا يُشَمَّتُ إِجْلَالًا لِلتَّشْمِيتِ أَنْ يُؤَهَّلَ لَهُ مَنْ يَكْرَهُهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتْرُكُ السُّنَّةَ لِذَلِكَ؟ قُلْنَا: هِيَ سُنَّةٌ لِمَنْ أَحَبَّهَا، فَأَمَّا مَنْ كَرِهَهَا وَرَغِبَ عَنْهَا فَلَا. قَالَ: وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ وَالْعِيَادَةِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُشَمَّتُ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَمُنَاقَضَةً لِلْمُتَكَبِّرِ فِي مُرَادِهِ وَكَسْرًا لِسَوْرَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِجْلَالِ التَّشْمِيتِ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ التَّشْمِيتِ دُعَاءٌ بِالرَّحْمَةِ فَهُوَ يُنَاسِبُ الْمُسْلِمَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَنْ عَطَسَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَإِنَّهُ يَتَعَارَضُ الْأَمْرُ بِتَشْمِيتِ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ وَالْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِمَنْ سَمِعَ الْخَطِيبَ، وَالرَّاجِحُ الْإِنْصَاتُ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِ التَّشْمِيتِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَطِيبِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَعَلَى هَذَا، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّشْمِيتِ حَتَّى يَفْرُغُ الْخَطِيبُ أَوْ يُشْرَعُ لَهُ التَّشْمِيتُ بِالْإِشَارَةِ؟ فَلَوْ كَانَ الْعَاطِسُ الْخَطِيبُ فَحَمِدَ وَاسْتَمَرَّ فِي خُطْبَتِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنْ حَمِدَ فَوَقَفَ قَلِيلًا لِيُشَمَّتَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُشْرَعَ تَشْمِيتُهُ. السَّادِسُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَثْنَى مَنْ كَانَ عِنْدَ عُطَاسِهِ فِي حَالَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute