أَقُولُ: جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي الدَّيْلَمِيِّ نَحْوَهُ، وَفِي آخِرِهِ أَنَّ الْقَائِلَ فَلِذَلِكَ أَقُولُ، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَلَفْظُهُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَفَّ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ - فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ أَمِيرَ خُرَاسَانَ لِلْمَأْمُونِ سَأَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ عَنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَجَابَ: هِيَ شُئُونٌ يُبْدِيهَا لَا شُئُونَ يَبْتَدِيهَا ; فَقَامَ إِلَيْهِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ.
قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ ذَكَرَ أَصْلَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ، أَخْرَجَهُ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ فَقَالَ: قَالَ أَصْبَغٌ - يَعْنِي ابْنُ الْفَرَجِ - أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَوَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَالْجَوْزَقِيُّ، وَالْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَصْبَغٍ بِهِ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِ: الْعَنَتَ، فَأَذِنَ لِي أَنْ أَخْتَصِيَ، وَوَقَعَ لَفْظُ: جَفَّ الْقَلَمُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: قَالَ سُرَاقَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ الْعَمَلُ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، الْحَدِيثَ، وَفِي آخَرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِيهِ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ فَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ جَفَّتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلَيٍّ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ: رُفِعَ الْكِتَابُ وَجَفَّ الْقَلَمُ.
قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهَا سَابِقُونَ، سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ، وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ قَالَ: سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ سَارَعُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ بِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ اللَّامَ فِي لَهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ، فَقَالَ: مَعْنَاهُ سَابِقُونَ بِهَا، فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ - أَيِ اللَّامَ - بِأَنَّهَا بِمَعْنَى إِلَى وَبَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَعْنَى: وَهُمْ مِنْ أَجْلِهَا، وَنَقَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْخَيْرَاتِ، وَأَجَازَ غَيْرُهُ أَن لِلسَّعَادَةِ، وَالَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَظَاهِرِ الْآيَةِ أَنَّ السَّعَادَةَ سَابِقَةٌ، وَأَنَّ أَهْلَهَا سَبَقُوا إِلَيْهَا لَا أَنَّهُمْ سَبَقُوهَا.
قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرِّشْكِ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، بَعْدَهَا كَافٌ كُنْيَتُهُ أَبُو الْأَزْهَرِ، وَحَكَى الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ اسْمَ وَالِدِهِ سِنَانٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَنُونَيْنِ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، قِيلَ: كَانَ كَبِيرَ اللِّحْيَةِ، فَلُقِّبَ الرِّشْكُ. وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا زَعَمَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْكَبِيرُ اللِّحْيَةِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ غَيُورًا فَقِيلَ لَهُ: إِرْشَكَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَمَضَى عَلَيْهِ الرِّشْكُ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: بَلِ الرِّشْكُ بِالْفَارِسِيَّةِ الْقَمْلُ الصَّغِيرُ الْمُلْتَصِقُ بِأُصُولِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ الرِّشْكَ الْقَسَّامُ. قُلْتُ: بَلْ كَانَ يَزِيدُ يَتَعَانَى مَسَّاحَةَ الْأَرْضِ فَقِيلَ لَهُ: الْقَسَّامُ، وَكَانَ يُلَقَّبُ الرِّشْكُ لَا أَنَّ مَدْلُولَ الرِّشْكِ الْقَسَّامُ، بَلْ هُمَا لَقَبٌ وَنِسْبَةٌ إِلَى صَنْعَةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي أَمْرِهِ مَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَمَا لِيَزِيدَ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ، أَوْرَدَهُ هُنَا وَفِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ.
قَوْلُهُ: قَالَ رَجُلٌ، هُوَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَاوِي الْخَبَرِ، بَيَّنَهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَهُ، وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ، وَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ آخَرُونَ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ فِيهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: أَيُعْرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: أَعُلِمَ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّؤَالِ مَعْرِفَةُ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ ; وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْعَامِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute