الْآيَةِ فِي الْبَابِ لِحَدِيثِهِ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْقِيتِ فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا عَلَى التَّأْبيدِ؛ لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ ج نْسِ الْكَبِيرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي أَنَّهُ قَدْ يُعَذَّبُ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَنْفِي أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ التَّعْذِيبِ عَلَى مَعْصِيَةِ الرِّيَاءِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَقَدْ رَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَكِنْ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ قُتَيْبَةُ لَمْ يُدْرِكْهُ ابْنُ حَازِمٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ بِفَاءٍ وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ مَكِّيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ لَقِيَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَأَنَسٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ) فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَاضِيَةِ فِي الِاسْتِئْذَانِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنَا وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ: مَكَانٌ مَعْرُوفٌ مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثُ مَرَاحِلَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ سَكَنَهُ أَبُو ذَرٍّ بِأَمْرِ عُثْمَانَ، وَمَاتَ بِهِ فِي خِلَافَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ سَبَبِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ: (خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي وَحْدَهُ، لَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ) هُوَ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَحْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِرَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً، فَأَفَادَتْ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالْحَرَّةُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنْهَا، وَكَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَقِيلَ: الْحَرَّةُ الْأَرْضُ الَّتِي حِجَارَتَهَا سُودٌ، وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُكْثِرونَ وَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى مُخْتَلِفَةُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسِّيَاقِ.
قَوْلُهُ: (فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ)؛ أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَ لِلْقَمَرِ فِيهِ ضَوْءٌ لِيُخْفِيَ شَخْصَهُ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ يَمْشِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأَ لِلنَّبِيِّ ﷺ حَاجَةٌ فَيَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟) كَأَنَّهُ رَأَى شَخْصَهُ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ)؛ أَيْ أَنَا أَبُو ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَكَذَا لِأَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةِ حَفْصٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا مَضَى فِي الِاسْتِئْذَانِ: فَقُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: أَبَا ذَرٍّ، تَعَالَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تَعَالَهْ بِهَاءِ السَّكْتِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: فَائِدَةُ الْوُقُوفِ عَلَى هَاءِ السَّكْتِ أَنْ لَا يَقِفَ عَلَى سَاكِنَيْنِ، نَقَلَهُ ابْنُ التِّينِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، وَقَدِ اخْتَصَرَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي رِوَايَتِهِ سِيَاقَ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَكَذَا عِنْدَهُ، وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّضْرُ) بْنُ شُمَيْلٍ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَالْأَعْمَشِ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا، الْغَرَضُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ تَصْرِيحُ الشُّيُوخِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ بِأَنَّ زَيْدَ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَهُمْ، وَالْأَوَّلَانِ نُسِبَا إِلَى التَّدْلِيسِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ