قَالَ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.
قَوْلُهُ (بَابُ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا ذُو مَحْرَمٍ وَالدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَةَ) يَجُوزُ فِي لَامِ الدُّخُولِ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ. وَأَحَدُ رُكْنَيِ التَّرْجَمَةِ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا فِي الْبَابِ، وَالثَّانِي يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَرِيحًا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُغْيِبَاتِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ، لَكِنَّ مُجَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ، ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَالْمُغْيِبَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ: مَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، يُقَالُ: أَغَابَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا غَابَ زَوْجُهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا.
قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَحَيْوَةَ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ.
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) هُوَ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ.
قَوْلُهُ (عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ.
قَوْلُهُ (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَهُوَ تَنْبِيهُ الْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ كَمَا قِيلَ إِيَّاكَ وَالْأَسَدَ، وَقَوْلُهُ إِيَّاكُمْ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ اتَّقُوا، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ وَالنِّسَاءَ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ بِلَفْظِ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ، وَتَضَمَّنَ مَنْعُ الدُّخُولِ مَنْعَ الْخَلْوَةِ بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ.
قَوْلُهُ (أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ) زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ: الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ تَخْرِيجِ الْحَدِيثِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: يُقَالُ هُوَ أَخُو الزَّوْجِ، كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا. قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ. اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاءَ أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَنَّ الْأَخْتَان أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ الْأَصْهَارَ تَقَعُ عَلَى النَّوْعَيْنِ. اهـ. وَقَدِ اقْتَصَرَ أَبُو عُبَيْدٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَالدَّاوُدِيُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْوَ أَبُو الزَّوْجَةِ، زَادَ ابْنُ فَارِسٍ: وَأَبُو الزَّوْجِ، يَعْنِي أَنَّ وَالِدَ الزَّوْجِ حَمُو الْمَرْأَةِ وَوَالِدِ الزَّوْجَةِ حَمُو الرَّجُلِ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ الْيَوْمَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَتَبِعَهُ الطَّبَرِيُّ، وَالْخَطَّابِيُّ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ، وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْخَلِيلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ إِلَّا مَا كَانَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَحْمَائِهَا. وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، لِأَنَّهُمْ مَحَارِمُ لِلزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهُمُ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَابْنُ الْأُخْتِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّا يَحِلُّ لَهَا تَزْوِيجُهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً، وَجَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخُ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. وَقَدْ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الْحَمْوَ أَبُو الزَّوْجِ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إِلَى أَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ اهـ. وَسَيَظْهَرُ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ الْحَمْوُ الْمَوْتُ مَا تَبَيَّنَ مِنْهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَازِرِيُّ لَيْسَ بِفَاسِدٍ، وَاخْتُلِفَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute