للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي سِيَاقِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا: وَلِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنَ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ فَإِنَّ لِأَهْلِ الْيَمَنِ إِذَا قَصَدُوا مَكَّةَ طَرِيقَيْنِ: إِحْدَاهُمَا طَرِيقُ أَهْلِ الْجِبَالِ وَهُمْ يَصِلُونَ إِلَى قَرْنٍ أَوْ يُحَاذُونَهُ، فَهُوَ مِيقَاتُهُمْ كَمَا هُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ. وَالْأُخْرَى طَرِيقُ أَهْلِ تِهَامَةَ فَيَمُرُّونَ بِيَلَمْلَمَ أَوْ يُحَاذُونَهُ، وَهُوَ مِيقَاتُهُمْ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ إِلَّا مَنْ أَتَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ ميم؛ مَكَانٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ مِيلًا، وَيُقَالُ لَهَا: أَلَمْلَمَ؛ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا، وَحَكَى ابْنُ السَّيِّدِ فِيهِ: يَرَمْرَمَ؛ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ.

(تَنْبِيهٌ): أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ ذُو الْحُلَيْفَةَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَعْظُمَ أُجُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: رِفْقًا بِأَهْلِ الْآفَاقِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ، أَيْ مِمَّنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ.

قَوْلُهُ: (هُنَّ لَهُمْ) أَيِ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ بِلَفْظِ: هُنَّ لَهُنَّ؛ أَيِ الْمَوَاقِيتُ لِلْجَمَاعَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لِأَهْلِهِنَّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ، وَوَقَعَ فِي بَابِ مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ بِلَفْظِ: هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ كَمَا شَرَحْتُهُ. وَقَوْلُهُ: هُنَّ، ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ، وَأَصْلُهُ لِمَنْ يَعْقِلُ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَا يَعْقِلُ، لَكِنْ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ. وَقَوْلُهُ: وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ؛ أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا ذَاتَ مِيقَاتٍ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَالَّذِي لَا يَدْخُلُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ، وَالَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ خِلَافٌ؛ كَالشَّامِيِّ إِذَا أَرَادَ الْحَجَّ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَمِيقَاتُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِاجْتِيَازِهِ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤَخِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ أَخَّرَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ، وَنَفَى الْخِلَافَ فِي شَرْحَيْهِ لِمُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لِلشَّامِيِّ مَثَلًا إِذَا جَاوَزَ ذَا الْحُلَيْفَةِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَى مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ - وَهُوَ الْجُحْفَةُ - جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَوْلُهُ: وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ يَشْمَلُ مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ، وَقَوْلُهُ: وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ يَشْمَلُ الشَّامِيَّ إِذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَغَيْرِهِ، فَهُنَا عُمُومَانِ قَدْ تَعَارَضَا، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَيَحْصُلُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: هُنَّ لَهُنَّ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ مَثَلًا: وَقَّتَ ل أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ سَاكِنُوهَا وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ سَفَرِهِمْ فَمَرَّ عَلَى مِيقَاتِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ عِرَاقِيٌّ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ.

قَوْلُهُ: (مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ)؛ أَيْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ.

قَوْلُهُ: (فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ)؛ أَيْ: فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ، إِذِ السَّفَرُ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مِيقَاتُ هَؤُلَاءِ نَفْسُ مَكَّةَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ، أَيْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ سَافَرَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلنُّسُكِ فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ النُّسُكُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ تَجَدَّدَ لَهُ الْقَصْدُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِيقَاتِ؛ لِقَوْلِهِ: فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى أَهْلَ مَكَّةَ) يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَكَّةَ)؛ أَيْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ، بَلْ يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ كَالْآفَاقِيِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ؛ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالْحَاجِّ، وَاخْتُلِفَ فِي