وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: فَدَخَلْتُ بِالْفَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) قِيلَ فِيهِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْخَفِيفَةِ ; لِأَنَّ الْمُرُورَ مَفْسَدَةٌ خَفِيفَةٌ، وَالدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ لِانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ إِذْ ذَاكَ، وَلَا يُقَالُ: مَنَعَ مِنَ الْإِنْكَارِ اشْتِغَالُهُمْ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْإِنْكَارَ مُطْلَقًا فَتَنَاوَلَ مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَأَيْضًا فَكَانَ الْإِنْكَارُ يُمْكِنُ بِالْإِشَارَةِ. وَفِيهِ مَا تُرْجِمَ لَهُ أَنَّ التَّحَمُّلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْأَدَاءِ. وَيُلْحَقُ بِالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْفَاسِقُ وَالْكَافِرُ. وَقَامَتْ حِكَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِفِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَقْرِيرُهُ مَقَامُ حِكَايَةِ قَوْلِهِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فِي شَرَائِطِ الْأَدَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّقْيِيدُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّغِيرِ فِي التَّرْجَمَةِ لَا يُطَابِقُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ غَيْرُ الْبَالِغِ، وَذِكْرَ الصَّبِيَّ مَعَهُ مِنْ بَابِ التَّوْضِيحِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الصَّغِيرِ يَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ مَحْمُودٍ، وَلَفْظُ الصَّبِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مَعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي بَاقِي مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٧٧ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْتُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ.
[الحديث ٧٧ - أطرافه في: ٦٤٢٢، ٦٣٥٤، ١١٨٥، ٨٣٩، ١٨٩،]
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ الْبِيكَنْدِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْفِرْيَابِيُّ فَلَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَكَانَ أَبُو مُسْهِرٍ شَيْخُ الشَّامِيِّينَ فِي زَمَانِهِ، وَقَدْ لَقِيَهُ الْبُخَارِيُّ وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا، وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُرَابِطِ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ رَشِيدٍ عَنْهُ أَنَّ أَبَا مُسْهِرٍ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ فَإِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُصَفَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَوْصَاءَ - وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَلِيلِ، وَأَبِي التَّقِيِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْقَافِ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ. فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ غَيْرُ أَبِي مُسْهِرٍ، رَوَوْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ فَكَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ إِلَى الزُّهْرِيِّ شَامِيُّونَ. وَقَدْ دَخَلَهَا هُوَ وَشَيْخُهُ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سُرَاقَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ وَحَدِيثُهُ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ الْآتِي فِي الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَفِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مَحْمُودٌ.
قَوْلُهُ: (عَقَلْتُ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ: حَفِظْتُ.
قَوْلُهُ: (مَجَّةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَالْمَجُّ هُوَ إِرْسَالُ الْمَاءِ مِنَ الْفَمِ، وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى مَجًّا إِلَّا إِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ. وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ مَحْمُودٍ إِمَّا مُدَاعَبَةً مِنْهُ، أَوْ لِيُبَارَكَ عَلَيْهِ بِهَا كَمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ مَعَ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ) لَمْ أَرَ التَّقْيِيدَ بِالسِّنِّ عِنْدَ تَحَمُّلِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ لَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَانِيدِ إِلَّا فِي طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ هَذِهِ، وَالزُّبَيْدِيُّ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَتَّى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ خَطَأٌ. وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَكِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْخَطِيبِ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَمِرٍ - وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ - عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الْوَاقِعَةَ الَّتِي ضَبَطَهَا كَانَتْ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute