الْكَافِرِينَ، وَهِيَ كَلِمَةٌ إِذَا سُمِعَتْ أَخْلَصَتِ الْقَلْبَ الْوَاعِيَ لَهَا عَنِ النُّفُورِ إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى قَائِلِهَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَفَعَهُ: أَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَفْشُوا السَّلَامَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَلِلْأَوَّلَيْنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ: اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ وَأَفْشُوا السَّلَامَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: تَدْخُلُوا الْجِنَانَ.
وَالْأَحَادِيثُ فِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِذَا قَعَدَ أَحَدكُمْ فَلْيُسَلِّمْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الْأُولَى أَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ وَمَا لِي حَاجَةٌ إِلَّا أَنْ أُسَلِّمَ وَيُسَلَّمَ عَلَيَّ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَاسْتَدَلَّ بِالْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي السَّلَامُ سِرًّا بَلْ يُشْتَرَطُ الْجَهْرُ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَسْمَعَ فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الْجَوَابِ، وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ وَنَحْوُهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَةُ الصَّلَاةِ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ جَيِّدَةٌ أَنَّهُ ﷺ رَدَّ السَّلَامَ وَهُوَ يُصَلِّي إِشَارَةً، مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - ص لَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيْهِ إِشَارَةً، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ التَّسْلِيمَ يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَيْهِ إِشَارَةً وَيَتَلَفَّظُ مَعَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُكْرَهُ السَّلَامُ بِالْيَدِ وَلَا يُكْرَهُ بِالرَّأْسِ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: اسْتَدَلَّ بِالْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى التَّعْمِيمِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْ جَانِبَيِ الْعُمُومَيْنِ سَقَطَ مِنْ جَانِبَيِ الْخُصُوصَيْنِ إِذْ لَا قَائِلَ يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ دُونَ الْبَاقِينَ، وَلَا يَجِبُ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ دُونَ الْبَاقِينَ، قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَسْقُطْ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مُمْكِنٌ انْتَهَى.
وَهَذَا الْبَحْثُ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ مَنْ قَالَ: إِنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنَ الِاسْتِحْبَابِ مَنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَرْكِ ابْتِدَائِهِ بِالسَّلَامِ كَالْكَافِرِ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ: إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ. وَالْمُسْلِمُ مَأْمُورٌ بِمُعَادَاةِ الْكَافِرِ؛ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ فِعْلُ مَا يَسْتَدْعِي مَحَبَّتَهُ وَمُوَادَدَتَهُ. وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ التَّسْلِيمُ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَشْرُوعِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى الْفَاسِقِ وَعَلَى الصَّبِيِّ، وَفِي سَلَامِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَكْسِهِ، وَإِذَا جَمَعَ الْمَجْلِسُ كَافِرًا وَمُسْلِمًا هَلْ يُشْرَعُ السَّلَامُ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمُسْلِمِ؟ أَوْ يَسْقُطُ مِنْ أَجْلِ الْكَافِرِ؟ وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنَ الْعُمُومِ بِابْتِدَاءِ السَّلَامِ مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ، أَوْ كَانَ فِي الْخَلَاءِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوْ نَائِمًا أَوْ نَاعِسًا أَوْ مُصَلِّيًا أَوْ مُؤَذِّنًا مَا دَامَ مُتَلَبِّسًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، فَلَوْ لَمْ تَكُنِ اللُّقْمَةُ فِي فَمِ الْآكِلِ مَثَلًا شُرِعَ السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَيُشْرَعُ فِي حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.
وَاحْتَجَّ لَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ النَّاسَ غَالِبًا يَكُونُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ فَلَوْ رُوعِيَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلِ امْتِثَالُ الْإِفْشَاءِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ بِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلَيْسَ مَوْضِعَ التَّحِيَّةِ لِاشْتِغَالِ مَنْ فِيهِ بِالتَّنْظِيفِ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى بِالْقَوِيِّ فِي