للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ مِمَّنْ يَتَطَفَّلُ، وَبِمَنْ يَتَكَرَّهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ الدُّخُولَ إِلَيْهِ إِمَّا لِقِلَّةِ الشَّيْءِ أَوِ اسْتِثْقَالِ الدَّاخِلِ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَجُوزُ التَّطْفِيلُ إِلَّا لِمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الدَّارِ انْبِسَاطٌ.

وَفِيهِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِذَا امْتَنَعَ الدَّاعِي مِنَ الْإِذْنِ لِبَعْضِ مَنْ صَحِبَهُ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ : وَهَذِهِ لِعَائِشَةَ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ النَّبِيُّ : لَا.

فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَمْ تَكُنْ لِوَلِيمَةٍ وَإِنَّمَا صَنَعَ الْفَارِسِيُّ طَعَامًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي الْوَاحِدَ فَخَشِيَ إِنْ أَذِنَ لِعَائِشَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَ النَّبِيَّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ حَاضِرَةً عِنْدَ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي أَنْ يَدْعُوَ خَوَاصَّ الْمَدْعُوِّ مَعَهُ كَمَا فَعَلَ اللَّحَّامُ بِخِلَافِ الْفَارِسِيِّ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَهَا، أَوْ عَلِمَ حَاجَةَ عَائِشَةَ لِذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ، أَوْ أَحَبَّ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْجَوْدَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِثْلُهُ فِي قِصَّةِ اللَّحَّامِ، وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ حَيْثُ دَعَا النَّبِيَّ إِلَى الْعَصِيدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، فَأَجَابَ عَنْهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ رِضَا أَبِي طَلْحَةَ فَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ رِضَا أَبِي شُعَيْبٍ فَاسْتَأْذَنَهُ، وَلِأَنَّ الَّذِي أَكَلَهُ الْقَوْمُ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ كَانَ مِمَّا خَرَقَ اللَّهُ فِيهِ الْعَادَةَ لِنَبِيِّهِ ، فَكَانَ جُلُّ مَا أَكَلُوهُ مِنَ الْبَرَكَةِ الَّتِي لَا صَنِيعَ لِأَبِي طَلْحَةَ فِيهَا فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى اسْتِئْذَانِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصَّابِ مِنَ الْمَوَدَّةِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ، أَوْ لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ صَنَعَ الطَّعَامَ لِلنَّبِيِّ فَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ أَرَادَ وَأَبُو شُعَيْبٍ صَنَعَهُ لَهُ وَلِنَفْسِهِ وَلِذَلِكَ حَدَّدَ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ لِيَكُونَ مَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ لَهُ وَلِعِيَالِهِ مَثَلًا وَاطَّلَعَ النَّبِيُّ

عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَهُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يُصْلِحُ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ.

وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنِ اسْتُؤْذِنَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَأْذَنَ لِلطَّارِئِ كَمَا فَعَلَ أَبُو شُعَيْبٍ وَذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَعَلَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْمَاضِيَ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ أَوْ رَجَا أَنْ يَعُمَّ الزَّائِدَ بَرَكَةُ النَّبِيِّ ، وَإِنَّمَا اسْتَأْذَنَهُ النَّبِيُّ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهِ، وَلَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الطَّارِئُ. وَأَمَّا تَوَقُّفُ الْفَارِسِيِّ فِي الْإِذْنِ لِعَائِشَةَ ثَلَاثًا وَامْتِنَاعُ النَّبِيِّ مِنْ إِجَابَتِهِ فَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ قَدْرَ مَا يَكْفِي النَّبِيَّ وَحْدَهُ وَعَلِمَ حَاجَتَهُ لِذَلِكَ فَلَوْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَسُدَّ حَاجَتَهُ، وَالنَّبِيُّ اعْتَمَدَ عَلَى مَا أَلِفَ مِنْ إِمْدَادِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَمَا اعْتَادَهُ مِنَ الْإِيثَارِ عَلَى نَفْسِهِ وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مَعَ أَهْلِهِ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يُرَاجَعَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلِذَلِكَ رَجَعَ الْفَارِسِيُّ عَنِ الْمَنْعِ، وَفِي قَوْلِهِ إِنَّهُ اتَّبَعَنَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا حِينَ دَعَوْتَنَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ حَالَةَ الدَّعْوَةِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ عَلَيْهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الدَّاعِيَ لَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ ادْعُ فُلَانًا وَجُلَسَاءَهُ جَازَ لِكُلِّ مَنْ كَانَ جَلِيسًا لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُسْتَحَبُّ أَوْ لَا يَجِبُ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ الدَّاعِي الْإِجَابَةَ وَفِي نَفْسِهِ الْكَرَاهَةُ لِئَلَّا يُطْعِمَ مَا تَكْرَهُهُ نَفْسُهُ، وَلِئَلَّا يَجْمَعَ الرِّيَاءَ وَالْبُخْلَ وَصِفَةَ ذِي الْوَجْهَيْنِ، كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ عِيَاضٌ، وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ فِيهِ مُطْلَقُ الِاسْتِئْذَانِ وَالْإِذْنِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى رِضَاهُ بِقَلْبِهِ ; قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي يَكْرَهُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ مُجَاهَدَةُ نَفْسِهِ عَلَى دَفْعِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ النَّفْسَ تَكُونُ بِذَلِكَ طَيِّبَةً لَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْلَى لَكِنْ لَيْسَ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالتَّعَقُّبُ عَلَيْهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ سَاقَهُ مَسَاقَ مَنْ يَسْتَنْبِطُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ، وَفِي قَوْله اتَّبَعَنَا رَجُلٌ فَأَبْهَمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَدَبٌ حَسَنٌ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ خَاطِرُ الرَّجُلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى هَذَا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَرُدُّهُ وَإِلَّا فَكَانَ يَتَعَيَّنُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَيَحْصُلُ كَسْرُ خَاطِرِهِ، وَأَيْضًا فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِنَّ هَذَا اتَّبَعَنَا وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ