تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾ الْآيَةَ، وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ، وَفِيهِ وُجُودُ آيَةِ الرَّجْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ثَانِيهَا: أَنَّ التَّبْدِيلَ وَقَعَ وَلَكِنْ فِي مُعْظَمِهَا وَأَدِلَّتُهُ كَثِيرَةٌ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ.
ثَالِثُهَا: وَقَعَ فِي الْيَسِيرِ مِنْهَا وَمُعْظَمُهَا بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ الرَّدُّ الصَّحِيحُ عَلَى مَنْ بَدَّلَ دِينَ الْمَسِيحِ. رَابِعُهَا: إِنَّمَا وَقَعَ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ فِي الْمَعَانِي لَا فِي الْأَلْفَاظِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُجَرَّدًا فَأَجَابَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَاحْتَجَّ لِلثَّانِي مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ فِي النَّفْيِ وَعَلَى الْمَعْنَى فِي الْإِثْبَاتِ لِجَوَازِ الْحَمْلِ فِي النَّفْيِ عَلَى الْحُكْمِ وَفِي الْإِثْبَاتِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَمِنْهَا أَنَّ نَسْخَ التَّوْرَاةِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَالْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ لَا يَخْتَلِفُ وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ التَّبْدِيلُ فَيَتَوَارَدُ النَّسْخُ بِذَلِكَ عَلَى مِنْهَاجِ وَاحِدٍ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ وُقُوعُ التَّبْدِيلِ جَازَ إِعْدَامُ الْمُبْدَلِ وَالنُّسَخُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ هِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ عِنْدَ التَّبْدِيلِ وَالْأَخْبَارُ بِذَلِكَ طَافِحَةٌ، أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْرَاةِ فَلِأَنَّ بُخْتَنَصَّرَ لَمَّا غَزَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَهْلَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَزَّقَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَأَعْدَمَ كُتُبَهُمْ حَتَّى جَاءَ عُزَيْرٌ فَأَمْلَاهَا عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْجِيلِ فَإِنَّ الرُّومَ لَمَّا دَخَلُوا فِي النَّصْرَانِيَّةِ جَمَعَ مَلِكُهُمْ أَكَابِرَهُمْ عَلَى مَا فِي الْإِنْجِيلِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ
وَتَحْرِيفُهُمُ الْمَعَانِي لَا يُنْكَرُ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَهُمْ بِكَثْرَةٍ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ هَلْ حُرِّفَتِ الْأَلْفَاظُ أَوْ لَا؟ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْكِتَابَيْنِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ ﷿ أَصْلًا، وَقَدْ سَرَدَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْفَصْلِ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا الْجِنْسِ؛ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ فِي أَوَّلِ وَرَقَةٍ مِنْ تَوْرَاةِ الْيَهُودِ الَّتِي عِنْدَ رُهْبَانِهِمْ وَقُرَّائِهِمْ وَعَانَاتِهِمْ وَعِيسَوِيِّهِمْ حَيْثُ كَانُوا فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، لَوْ رَامَ أَحَدٌ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا لَفْظَةً أَوْ يُنْقِصَ مِنْهَا لَفْظَةً لَافْتَضَحَ عِنْدَهُمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ إِلَى الْأَحْبَارِ الْهَارُونِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْخَرَابِ الثَّانِي يَذْكُرُونَ أَنَّهَا مُبَلَّغَةٌ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى عِزْرَا الْهَارُونِيِّ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ: هَذَا آدَمُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا فِي مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَأَنَّ السَّحَرَةَ عَمِلُوا لِفِرْعَوْنَ نَظِيرَ مَا أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّمِ وَالضَّفَادِعِ وَأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنِ الْبَعُوضِ، وَأَنَّ ابْنَتَيْ لُوطٍ بَعْدَ هَلَاكِ قَوْمِهِ ضَاجَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَبَاهَا بَعْدَ أَنْ سَقَتْهُ الْخَمْرَ فَوَطِئَ كُلًّا مِنْهُمَا فَحَمَلَتَا مِنْهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ الْمُسْتَبْشَعَةِ، وَذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى أَنَّ التَّبْدِيلَ وَقَعَ فِيهَا إِلَى أَنْ أُعْدِمَتْ فَأَمْلَاهَا عِزْرَا الْمَذْكُورُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ، ثُمَّ سَاقَ أَشْيَاءَ مِنْ نَصِّ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمُ الْآنَ الْكَذِبُ فِيهَا ظَاهِرٌ جِدًّا ثُمَّ قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
يُنْكِرُونَ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ اللَّتَيْنِ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُحَرَّفَانِ، وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قِلَّةُ مُبَالَاتِهِمْ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدِ اشْتَمَلَا عَلَى أَنَّهُمْ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ وَ: يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ ويلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَيكْتُمُونَ الْحَقَّ وهم يعْلَمُونَ، وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الصَّحَابَةِ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَلَيْسَ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَيُقَالُ لِمَنِ ادَّعَى أَنَّ نَقْلَهُمْ نَقْلٌ مُتَوَاتِرٌ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا ذِكْرَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ فِي الْكِتَابَيْنِ، فَإِنْ صَدَّقْتُمُوهُمْ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ لِكَوْنِهِ نُقِلَ نَقْلَ الْمُتَوَاتِرِ فَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا زَعَمُوهُ أَنْ لَا ذِكْرَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وَلَا أَصْحَابِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute