للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ كَانَ طَرِيقُهُ صَحِيحًا لَعَارَضَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. قَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ. قُلْتُ: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا. فَقَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ الْحَدِيثَ. وَوَقَفْتُ عَلَى جُزْءٍ جَمَعَهُ بَعْضُ أَهْلِ الرَّفْضِ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَا يَثْبُتُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَقَدْ لَخَّصْتُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ كِتَابِ الْإِصَابَةِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ) هُوَ ابْنُ غَيْلَانِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ حَزْنٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيِ ابْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْغَرْغَرَةِ

قَوْلُهُ: (أُحَاجُّ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَأَصْلُهُ أُحَاجِجُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ: أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَكَأَنَّهُ ﵊ فَهِمَ مِنَ امْتِنَاعِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ لِوُقُوعِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ لَهُ الْمُحَاجَجَةَ. وَأَمَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ إِذْ لَمْ يَحْضُرْهُ حِينَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَطَيَّبَ قَلْبَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهَا فَيَنْفَعَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا جَزَعُ الْمَوْتِ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ: (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ) أَيِ ابْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ أَخُو أُمِّ سَلَمَةَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ، قَدْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا يَوْمَ الْفَتْحِ، وَاسْتُشْهِدَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي غَزَاةِ حُنَيْنٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ، وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى.

قَوْلُهُ: (فَنَزَلَتْ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ أَمَّا نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا نُزُولُ الَّتِي قَبْلَهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْآيَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ نَزَلَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ عَامَّةٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ الْآيَةَ. وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَيُضَعِّفُ مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَسْعُودِيِّ (١) أَنَّهُ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: عَنْ يَزِيدَ بِهَذَا أَيِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ إِلَّا مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ) أَيِ الْمَدَنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمَدَنِيِّينَ، وَلَمْ أَرَ لَهُ رِوَايَةً عَنْ غَيْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَمَنْ بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ الْهَادِ الْآتِيَةِ فِي الرِّقَاقِ: أَبُو طَالِبٍ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الذَّاكِرَ هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّهُ الَّذِي سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ تَابِعًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِجُمْلَتِهِ، إِلَّا أَنَّهُ اسْتَمَرَّ ثَابِتَ الْقَدَمِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَسُلِّطَ الْعَذَابُ عَلَى قَدَمَيْهِ خَاصَّةً لِتَثْبِيتِهِ إِيَّاهُمَا عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.


(١) المسعودي المؤرخ شيعي قح من دعاتهم.