للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَنَّ بَعْضَ الرَّوَافِضِ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ﴾ أَنَّ آلَ عِمْرَانَ هُمْ آلُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي طَالِبٍ، عِمْرَانُ وَاشْتُهِرَ بِكُنْيَتِهِ. وَكَانَ شَقِيقَ عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ أَوْصَى بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَيْهِ فَكَفَلَهُ إِلَى أَنْ كَبِرَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى نَصْرِهِ بَعْدَ أَنْ بُعِثَ إِلَى أَنْ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الشِّعْبِ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ، وَكَانَ يَذُبُّ عَنِ النَّبِيِّ وَيَرُدُّ عَنْهُ كُلَّ مَنْ يُؤْذِيهِ، وَهُوَ مُقِيمٌ مَعَ ذَلِكَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ وَأَخْبَارُهُ فِي حِيَاطَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَمِمَّا اشْتُهِرَ مِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ … حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا

وَقَوْلُهُ.

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نبزى مُحَمَّدًا … وَلَمَّا نُقَاتِلْ حَوْلَهُ وَنُنَاضِلِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: الْأَوَّلُ

قَوْلُهُ: (عَنْ يَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ ابْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ جَدِّهِ.

قَوْلُهُ: (مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ) يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ.

قَوْلُهُ: (كَانَ يَحُوطُكَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحِيَاطَةِ وَهِيَ الْمُرَاعَاةُ، وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ لَهُ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ لَهُ عَضُدًا وَنَاصِرًا عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْأَذَى مَا لَمْ تَطْمَعْ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْتَهُ يَقُولُ: مَا نَالَتْنِي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ.

قَوْلُهُ: (وَيَغْضَبُ لَكَ) يُشِيرُ إِلَى مَا كَانَ يَرُدُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ.

قَوْلُهُ: (هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ) بِمُعْجَمَتَيْنِ وَمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ اسْتِعَارَةٌ، فَإِنَّ الضَّحْضَاحَ مِنَ الْمَاءِ مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَا قَرُبَ مِنَ الْمَاءِ وَهُوَ ضِدُّ الْغَمْرَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ثَالِثَ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ لَهُ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ لَمْ يُسَمِّ أَبَا طَالِبٍ، وَلِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قِيلَ لِلنَّبِيِّ : هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: أَخْرَجْتُهُ مِنَ النَّارِ إِلَى ضَحْضَاحٍ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوَهُ وَفِي آخِرِهِ: كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ وَالْمِرْجَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ الْإِنَاءُ الَّذِي يَغْلِي فِيهِ الْمَاءُ وَغَيْرُهُ، وَالْقُمْقُمُ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْأُولَى مَعْرُوفٌ وَهُوَ الَّذِي يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَذَا وَقَعَ: كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ، وَهَذَا أَوْضَحُ أَنْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ، انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ، وَقِيلَ: الْقُمْقُمُ هُوَ الْبُسْرُ كَانُوا يَغْلُونَهُ عَلَى النَّارِ اسْتِعْجَالًا لِنُضْجِهِ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا زَالَ الْإِشْكَالُ.

(تَنْبِيهٌ): فِي سُؤَالِ الْعَبَّاسِ عَنْ حَالِ أَبِي طَالِبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا تَقَارَبَ مِنْهُ الْمَوْتُ بَعْدَ أَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَأَبَى، قَالَ: فَنَظَرَ الْعَبَّاسُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَأَصْغَى إِلَيْهِ فَقَالَ: