طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) أَنْفِقِ الْأُولَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ، وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ عَلَى الْجَوَابِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، وَهُوَ وَعْدٌ بِالْخُلْفِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى الْحَدِيثَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ الْحَدِيثَ، وَفَرَّقَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ لِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ: يَا ابْنَ آدَمَ النَّبِيُّ ﷺ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ جِنْسُ بَنِي آدَمَ، وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ ﷺ بِإِضَافَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ؛ لِكَوْنِهِ رَأْسَ النَّاسِ، فَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ إِلَيْهِ؛ لِيَعْمَلَ بِهِ وَيُبَلِّغَ أُمَّتَهُ، وَفِي تَرْكِ تَقْيِيدِ النَّفَقَةِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مَا يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ شُعَيْبٍ مَبْسُوطًا فِي التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ: أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ.
قَوْلُهُ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كَذَا قَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ سَاقَهُ عَلَى لَفْظِ رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهِ مُرْسَلًا ثُمَّ قَالَ وَعَنْ ثَوْرٍ بِسَنَدِهِ مِثْلُهُ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرٍ: فَقَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ لَهُ صَدَقَةٌ بَيَّنَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ.
قَوْلُهُ: (أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) هَكَذَا لِلْجَمِيعِ عَنْ مَالِكٍ بِالشَّكِّ لَكِنْ لِأَكْثَرِهِمْ - مِثْلُ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، وَابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ بُكَيْرٍ فِي آخَرِينَ - بِلَفْظِ: أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ ثَوْرٍ بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ، لَكِنْ قَالَهُ بِالْوَاوِ لَا بِلَفْظِ أَوْ، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَالصَّائِمُ لَا يُفْطِرُ شَكَّ الْقَعْنَبِيُّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ بِالشَّكِّ عَنْ مَالِكٍ لَكِنْ بِمَعْنَاهُ، فَيُحْمَلُ اخْتِصَاصُ الْقَعْنَبِيِّ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ، وَمَعْنَى السَّاعِي الَّذِي يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي تَحْصِيلِ مَا يَنْفَعُ الْأَرْمَلَةَ وَالْمِسْكِينَ. وَالْأَرْمَلَةُ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، وَالْمِسْكِينُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَقَوْلُهُ: الْقَائِمِ اللَّيْلَ يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ، كَمَا فِي قَوْلِهِمُ: الْحَسَنُ الْوَجْهَ، وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ إِمْكَانِ اتِّصَافِ الْأَهْلِ أَيِ الْأَقَارِبِ بِالصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْفَضْلُ لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ بِقَرِيبٍ مِمَّنِ اتَّصَفَ بِالْوَصْفَيْنِ، فَالْمُنْفِقُ عَلَى الْمُتَّصِفِ أَوْلَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ:
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْوَصَايَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: دِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ مِسْكِينًا، وَدِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، قَالَ: الدِّينَارُ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُ أَجْرًا، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ رَفَعَهُ: أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: بَدَأَ بِالْعِيَالِ، وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالِهِ، يُعِفُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمُ اللَّهُ بِهِ؟ قَالَ الطَّبَرِيُّ: الْبَدَاءَةُ فِي الْإِنْفَاقِ بِالْعِيَالِ، يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَرْءِ مِنْ جُمْلَةِ عِيَالِهِ بَلْ هِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute