للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آخَرَ: حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ بَدَلَ الْكَدِيدِ، وَفِيهِ مَجَازُ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّ الْكَدِيدَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ عُسْفَانَ، وَبَيْنَ الْكَدِيدِ وَمَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: هُوَ بَيْنَ أَمَجَ - بِفَتْحَتَيْنِ وَجِيمٍ - وَعُسْفَانَ وَهُوَ مَاءٌ عَلَيْهِ نَخْلٌ كَثِيرٌ.

وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ، وَالْغَمِيمُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ اسْمُ وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ، قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، وَالْكُلُّ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَالْجَمِيعُ مِنْ عَمَلِ عُسْفَانَ اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ سِيَاقُ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْضَحَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مُقَدَّمَه الْمَدِينَةِ فَسَارَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرَةِ فَالْآخِرَةِ مِنْ أَمْرِهِ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَقَعَتْ مُدْرَجَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَفْظُهُ: حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ، قَالَ: وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مِثْلَهُ، قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ فِي رَمَضَانَ وَالنَّاسُ صَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ النَّاسُ زَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْضَحَ مِنْ سِيَاقِ خَالِدٍ وَلَفْظُهُ: فَلَمَّا بَلَغَ الْكَدِيدَ بَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ شَرِبَ فَأَفْطَرَ، فَنَاوَلَهُ رَجُلًا إِلَى جَنْبِهِ فَشَرِبَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَعْفَرٍ: ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحَتُّمِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلَوِ اسْتُهِلَّ رَمَضَانُ فِي الْحَضَرِ وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْجَوَازِ إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ اسْتَهَلَّ رَمَضَانَ فِي عَامِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ خَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ اخْتِلَافٌ مِنَ الرُّوَاةِ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ، وَالَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهُ خَرَجَ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ وَدَخَلَ مَكَّةَ لِتِسْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُفْطِرَ، وَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَصْبَحَ صَائِمًا فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَ قَائِلِهِ مَا وَقَعَ فِي الْبُوَيْطِيِّ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَوْلِ بِهِ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ، فَأَمَّا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ النَّهَارِ؟ مَنَعَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بِالْجَوَازِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقِيلَ لَهُ: قَالَ كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالْكَدِيدِ عِدَّةَ أَيَّامٍ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبُوَيْطِيِّ مِثْلُ مَا وَقَعَ عِنْدَ