أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ مَخَافَةَ الضَّغَائِنِ، وَقَدْ نُقِلَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَنْ زُفَرَ أَيْضًا، وَلَكِنِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا.
قَوْلُهُ (وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) هَذَا مَصِيرٌ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِذَا كَانَ الْجَمْعُ بِعَقْدِ التَّزْوِيجِ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ قَالَ: تَخَطَّى حُرْمَةً إِلَى حُرْمَةٍ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاوَزَ حُرْمَتَيْنِ إِلَى حُرْمَةٍ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ.
قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلَا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَابْنِ جَعْفَرٍ يَدُلُّ قَوْلُهُ وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نَصْرِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي كَالْجَمَاعَةِ، وَهَكَذَا وَصَلَهُ وَكِيعٌ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى.
قَوْلُهُ (وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ) انْتَهَى وَهُوَ ابْنُ قَيْسٍ، رَوَى أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَشَرِيكٌ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَيْ غَيْرُ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَاسْمُ الْجَهَالَةِ ارْتَفَعَ عَنْهُ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَعَادَتِهِ فِيمَنْ لَمْ يُجَرَّحْ، وَالْقَوْلُ الَّذِي رَوَاهُ يَحْيَى هَذَا قَدْ نُسِبَ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَزَادَ: وَكَذَا لَوْ تَلَوَّطَ بِأَبِي امْرَأَتِهِ أَوْ بِأَخِيهَا أَوْ بِشَخْصٍ ثُمَّ وُلِدَ لِلشَّخْصِ بِنْتٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ تَحْرُمُ عَلَى الْوَاطِئِ لِكَوْنِهَا بِنْتَ أَوْ أُخْتَ مَنْ نَكَحَهُ، وَخَالَفَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ فَخَصُّوهُ بِالْمَرْأَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ وَالذَّكَرُ لَيْسَ مِنَ النِّسَاءِ وَلَا أُخْتًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَاطَ بِهَا هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ فِي رَجُلٍ غَشِيَ أُمَّ امْرَأَتِهِ قَالَ تَخَطَّى حُرْمَتَيْنِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا، ثُمَّ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا أَوِ الْبِنْتُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا، قَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ إِنَّمَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بِنِكَاحٍ حَلَالٍ وَفِي إِسْنَادِهِمَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ طَرَفًا مِنْهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، وَإِسْنَادُهُ أَصْلَحُ مِنَ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَرَّمَهُ) وَصَلَهُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظِهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ أَنَّهُ أَصَابَ أُمَّ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ امْرَأَتُكَ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ مِنْهُ سَبْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ بَلَغَ مَبَالِغَ الرِّجَالِ.
قَوْلُهُ (وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَهْدِيِّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي لَا يُعْرَفُ سَمَاعُهُ وَهِيَ أَوْجُهٌ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا بَصْرِيٌّ أَسَدِيٌّ، وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا: مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا بِنْتُهَا وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَمَّا قَوْلُ عِمْرَانَ فَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ، قَالَ فِيمَنْ فَجَرَ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute