للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، وَأَطْنَبَ فِي تَخْرِيجِ طُرُقِهِ وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِهِ الْحُسَيْنِ، وَلَا

يَقْصُرُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهَذِهِ الطُّرُقُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَحَدِيثُ: رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الطَّبَرَانِيِّ، وَآخَرُ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَآخَرُ مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ، وَعِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِلَفْظِ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: شَقِيَ عَبْدٌ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ: مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ رَجُلٍ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ وَمِنْهَا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ، فَمَا أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ قَالَ: مَا شِئْتَ.

قَالَ: الثُّلُثَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى أَنْ قَالَ: أَجْعَلُ لَكَ كُلَّ صَلَاتِي؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فَهَذَا الْجَيِّدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ضَعِيفَةٌ وَوَاهِيَةٌ. وَأَمَّا مَا وَضَعَهُ الْقَصَّاصُ فِي ذَلِكَ فَلَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَفِي الْأَحَادِيثِ الْقَوِيَّةِ غُنْيَةٌ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْمَقْصُودُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَقَضَاءِ حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْنَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: لَيْسَتْ صَلَاتُنَا عَلَى النَّبِيِّ شَفَاعَةً لَهُ، فَإِنَّ مِثْلَنَا لَا يَشْفَعُ لِمِثْلِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِمُكَافَأَةِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْهَا كَافَأْنَاهُ بِالدُّعَاءِ، فَأَرْشَدَنَا اللَّهُ لِمَا عَلِمَ عَجْزَنَا عَنْ مُكَافَأَةِ نَبِيِّنَا إِلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَائِدَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ؛ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى نُصُوعِ الْعَقِيدَةِ، وَخُلُوصِ النِّيَّةِ، وَإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالِاحْتِرَامِ لِلْوَاسِطَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالرَّغْمِ وَالْإِبْعَادِ وَالشَّقَاءِ وَالْوَصْفِ بِالْبُخْلِ وَالْجَفَاءِ يَقْتَضِي الْوَعِيدَ، وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ مِنْ عَلَامَاتِ الْوُجُوبِ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُكَافَأَتُهُ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَإِحْسَانُهُ مُسْتَمِرٌّ، فَيَتَأَكَّدُ إِذَا ذُكِرَ، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ فَلَوْ كَانَ إِذَا ذُكِرَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لَكَانَ كَآحَادِ النَّاسِ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: ﴿دُعَاءَ الرَّسُولِ﴾ الدُّعَاءَ الْمُتَعَلِّقَ بِالرَّسُولِ، وَأَجَابَ مَنْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا: أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَهُوَ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ لَلَزِمَ الْمُؤَذِّنَ إِذَا أَذَّنَ، وَكَذَا سَامِعَهُ، وَلَلَزِمَ الْقَارِئَ إِذَا مَرَّ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَلَزِمَ الدَّاخِلَ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ مَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ بِخِلَافِهِ، وَلَكَانَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ كُلَّمَا ذُكِرَ أَحَقَّ بِالْوُجُوبِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ.

وَقَدْ أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ قَبْلَ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ خَاطَبَ النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَفَرَّغِ السَّامِعُ لِعِبَادَةٍ أُخْرَى، وَأَجَابُوا عَنِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهَا خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَأْكِيدِ ذَلِكَ وَطَلَبِهِ، وَفِي حَقِّ