السُّؤَالَيْنِ لِابْنِ عُمَرَ، وَلِجَابِرٍ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرَةِ، وَكَذَا صَلَاةُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَفِي تَعْيِينِهَا خَلْفَ الْمَقَامِ سَبَقَ فِي بَابِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِهِمَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ الطَّائِفُ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَهُمَا فِي الْحِجْرِ، وَنَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُعَيِّنُهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ.
الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي إِهْلَالِهِ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ ﷺ، وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِحْلَالِ عَنِ السَّعْيِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي: بَابِ مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَأْمُرُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَلَغَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِهِ أَحَجَجْتَ أَيْ هَلْ أَحْرَمْتَ بِالْحَجِّ أَوْ نَوَيْتَ الْحَجَّ؟ وَهَذَا كَقَوْلِهِ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَهْلَلْتَ أَيْ بِمَا أَحْرَمَتْ أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؟
الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى
أَسْمَاءَ تَقَدَّمَ لَهُ حَدِيثٌ عَنْهَا غَيْرُ هَذَا فِي: بَابِ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ غَيْرُهُمَا. وَهَذَا الْإِسْنَادُ نِصْفُهُ مِصْرِيُّونَ، وَنِصْفُهُ مَدَنِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (بِالْحَجُونِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ الْخَفِيفَةِ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِمَكَّةَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْأَشْعَارِ، وَعِنْدَهُ الْمَقْبَرَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْمُعَلَّى عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ إِلَى مَكَّةَ وَيَمِينُ الْخَارِجِ مِنْهَا إِلَى مِنًى، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مُحَصَّلُ مَا قَالَهُ الْأَزْرَقِيُّ، وَالْفَاكِهِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَغْرَبَ السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ: الْحَجُونُ عَلَى فَرْسَخٍ وَثُلُثٍ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ غَلَطٌ وَاضِحٌ، فَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: الْحَجُونُ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ بِحِذَاءِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِي شِعْبَ الْجَرَّارِينَ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْقَالِي: الْحَجُونُ ثَنِيَّةُ الْمَدَنِيِّينَ - أَيْ مَنْ يَقْدَمُ مِنَ الْمَدِينَةِ - وَهِيَ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ عِنْدَ شِعْبِ الْجَرَّارِينَ. انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى غَلَطِ السُّهَيْلِيِّ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَنَبْكِيكَ مَا أَرْسَى ثَبِيرٌ مَكَانَهُ … وَمَا دَامَ جَارًا لِلْحَجُونِ الْمُحَصَّبُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُحَصَّبِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ خَارِجَ مَكَّةَ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ لَمَّا مَاتَ دُفِنَ بِالْحَجُونِ فَتَدَافَنَ النَّاسُ بَعْدَهُ، وَأَنْشَدَ الزُّبَيْرُ لِبَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ:
كَمْ بِالْحَجُونِ وَبَيْنَهُ مِنْ سَيِّدٍ … بِالشِّعْبِ بَيْنَ دَكَادِكٍ وَأَكَامٍ
وَالْجَرَّارِينَ الَّتِي تَقَدَّمَ جَمْعُ جَرَّارٍ بِجِيمٍ وَرَاءٍ ثَقِيلَةٍ، ذَكَرَهَا الرَّضِيُّ الشَّاطِبِيُّ، وَكَتَبَ عَلَى الرَّاءِ صَحَّ صَحَّ، وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّهُ شِعْبُ أَبِي دُبٍّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ. قُلْتُ: قَدْ جُهِلَ هَذَا الشِّعْبُ الْآنَ إِلَّا أَنَّ بَيْنَ سُورِ مَكَّةَ الْآنَ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الْمَذْكُورِ مَكَانًا يُشْبِهُ الشِّعْبَ فَلَعَلَّهُ هُوَ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ خِفَافٌ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ خِفَافُ الْحَقَائِبِ، وَالْحَقَائِبُ جَمْعُ حَقِيبَةٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَا احْتَقَبَهُ الرَّاكِبُ خَلْفَهُ مِنْ حَوَائِجِهِ فِي مَوْضِعِ الرَّدِيفِ.
قَوْلُهُ: (فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي) أَيْ بَعْدَ أَنْ فَسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، فَفِي رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أَسْمَاءَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَأَحْلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحِلَّ. انْتَهَى.
وَهَذَا مُغَايِرٌ لِذِكْرِهَا الزُّبَيْرَ مَعَ مَنْ أَحَلَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَعَتْ لَهَا مَعَ الزُّبَيْرِ فِي غَيْرِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ - كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ عَلَى بُعْدِهِ - وَإِلَّا فَقَدْ رَجَحَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى