سَلَّمَا وَكَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَلَا فِي الصَّلَاةِ السَّلَامَ. وَكَذَا لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الدَّاخِلَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، وَأَنَّ الْقَائِمَ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَاعِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ رَدَّ السَّلَامِ عَلَيْهِمَا اكْتِفَاءً بِشُهْرَتِهِ، أَوْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَغْرِقَ فِي الْعِبَادَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّدُّ. وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمَا صَلَّيَا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِمَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ أَوْ كَانَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ وَقَعَ فَلَمْ يُنْقَلْ لِلِاهْتِمَامِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقِصَّةِ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ تَنَفُّلٍ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ.
قَوْلُهُ: (فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) أَيْ: عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوْ عَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ.
قَوْلُهُ: (فُرْجَةٌ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَعًا هِيَ الْخَلَلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَالْحَلْقَةُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَدِيرٍ خَالِي الْوَسَطِ وَالْجَمْعُ حَلَقٌ بِفَتْحَتَيْنِ، وَحُكِيَ فَتْحُ اللَّامِ فِي الْوَاحِدِ، وهو نَادِرٌ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّحْلِيقِ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْآخَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى زَعَمَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرِ لِإِطْلَاقِهِ هُنَا عَلَى الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِقَصْرِ الْأَوَّلِ وَمَدِّ الثَّانِي، وهو الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ بِالْقَصْرِ، ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾ بِالْمَدِّ، وَحُكِيَ فِي اللُّغَةِ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ مَعًا فِيهِمَا. وَمَعْنَى أَوَى إِلَى اللَّهِ لَجَأَ إِلَى اللَّهِ، أَوْ عَلَى الْحَذْفِ أَيِ: انْضَمَّ إِلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَمَعْنَى فَآوَاهُ اللَّهُ أَيْ: جَازَاهُ بِنَظِيرِ فِعْلِهِ بِأَنْ ضَمَّهُ إِلَى رَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَدَبِ فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَفَضْلُ سَدِّ خَلَلِ الْحَلْقَةِ، كَمَا وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي سَدِّ خَلَلِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَجَوَازُ التَّخَطِّي لِسَدِّ الْخَلَلِ مَا لَمْ يُؤْذِ، فَإِنْ خُشِيَ اسْتُحِبَّ الْجُلُوسُ حَيْثُ يَنْتَهِي كَمَا فَعَلَ الثَّانِي. وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ زَاحَمَ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَحْيَا) أَيْ تَرَكَ الْمُزَاحَمَةَ كَمَا فَعَلَ رَفِيقُهُ حَيَاءً مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَمِمَّنْ حَضَرَ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَسٌ فِي رِوَايَتِهِ سَبَبَ اسْتِحْيَاءِ هَذَا الثَّانِي فَلَفْظُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ: وَمَضَى الثَّانِي قَلِيلًا ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَحْيَا مِنَ الذَّهَابِ عَنِ الْمَجْلِسِ كَمَا فَعَلَ رَفِيقُهُ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ) أَيْ: رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ) أَيْ: سَخِطَ عَلَيْهِ، وهو مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ذَهَبَ مُعْرِضًا لَا لِعُذْرٍ، هَذَا إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا، وَاطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَمْرِهِ، كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﷺ: فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ إِخْبَارًا أَوْ دُعَاءً. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: فَاسْتَغْنَى فَاسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا يُرَشِّحُ كَوْنَهُ خَبَرًا، وَإِطْلَاقُ الْإِعْرَاضِ وَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ، فَيُحْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ ﷾. وَفَائِدَةُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ بَيَانُ الشَّيْءِ بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ، وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَأَحْوَالِهِمْ لِلزَّجْرِ عَنْهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنَ الْغَيْبَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مُلَازَمَةِ حَلَقِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَجُلُوسُ الْعَالِمِ وَالْمُذَكِّرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُسْتَحِي. وَالْجُلُوسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ. وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَسْمِيَةِ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
٩ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ
٦٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حدثنا بِشْرٌ قال: حدثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِيَّ ﷺ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ بِزِمَامِهِ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟