فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ.
[الحديث ٦٧ - أطرافه في: ٧٤٤٧، ٧٠٧٨، ٥٥٥٠، ٤٦٦٢، ٤٤٠٦، ٣١٩٧، ١٧٤١، ١٠٥]
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) هَذَا الْحَدِيثُ الْمُعَلَّقُ، أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ مَعْنَاهُ، وَأَمَّا لَفْظُهُ فَهُوَ مَوْصُولٌ عِنْدَهُ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ بِمِنًى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، أَوْرَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا وَفِي آخِرِهِ هَذَا اللَّفْظُ. وَغَفَلَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الشُّرَّاحِ فِي عَزْوِهِمْ لَهُ إِلَى تَخْرِيجِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَبْعَدُوا النُّجْعَةَ، وَأَوْهَمُوا عَدَمَ تَخْرِيجِ الْمُصَنِّفِ لَهُ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. ورُبَّ لِلتَّقْلِيلِ، وَقَدْ تَرِدُ لِلتَّكْثِيرِ، ومُبَلَّغٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وأَوْعَى نَعْتٌ لَهُ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ يُوجَدُ أَوْ يَكُونُ، وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّ رُبَّ اسْمُ أَنْ تَكُونَ هِيَ مُبْتَدَأً وَأَوْعَى الْخَبَرُ فَلَا حَذْفَ وَلَا تَقْدِيرَ، وَالْمُرَادُ: رُبَّ مُبَلَّغٍ عَنِّي أَوْعَى - أَيْ: أَفْهَمُ - لِمَا أَقُولُ مِنْ سَامِعٍ مِنِّي. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ هَوْذَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَلَفْظُهُ: فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَوْعَى لِمَا أَقُولُ مِنْ بَعْضِ مَنْ شَهِدَ.
قَوْلُهُ: (بِشْرٌ) هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ، وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرَ النَّبِيَّ ﷺ) بنَصَبَ النَّبِيَّ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَفِي ذَكَرَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الرَّاوِي، يَعْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ فَذَكَرَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ. وَذَكَرَ النَّبِيَّ ﷺ. فَالْوَاوُ إِمَّا حَالِيَّةٌ وَإِمَّا عَاطِفَةٌ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَعَدَ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ بِزِمَامِهِ) الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي، وَالزِّمَامُ وَالْخِطَامُ بِمَعْنًى، وهو الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ فِيهِ الْحَلْقَةُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْبُرَةِ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ - فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ. وَهَذَا الْمُمْسِكُ سَمَّاهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِلَالًا، وَاسْتَنَدَ إِلَى مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: حَجَجْتُ فَرَأَيْتُ بِلَالًا يَقُودُ بِخِطَامِ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهَى. وَقَدْ وَقَعَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهَى. فَذَكَرَ بَعْضَ الْخُطْبَةِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الْمُبْهَمُ مِنْ بِلَالٍ، لَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ هُنَا أَبُو بَكْرَةَ، فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَلَفْظُهُ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَمْسَكْتُ - إِمَّا قَالَ بِخِطَامِهَا، وَإِمَّا قَالَ بِزِمَامِهَا - وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّكَّ مِمَّنْ دُونَ أَبِي بَكْرَةَ لَا مِنْهُ. وَفَائِدَةُ إِمْسَاكِ الْخِطَامِ صَوْنُ الْبَعِيرِ عَنْ الِاضْطِرَابِ حَتَّى لَا يُشَوِّشَ عَلَى رَاكِبِهِ.
قَوْلُهُ: (أَيُّ يَوْمٍ هَذَا) سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْحَمَوِيِّ السُّؤَالُ عَنِ الشَّهْرِ وَالْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فَصَارَ هَكَذَا: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا، فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ، وهو مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ ; وَلَكِنَّ الثَّابِتَ فِي الرِّوَايَاتِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَكَرِيمَةَ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ السُّؤَالُ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute