دَخَلَتْ هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَا قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ: (حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ) حِقَّةٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، وَالْجَمْعُ حِقَاقٌ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، وَطَرُوقَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ: مَطْرُوقَةٌ وَهِيَ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَحَلُوبَةٍ بِمَعْنَى مَحْلُوبَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ، وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ.
قَوْلُهُ: (جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ، وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ) كَذَا فِي الْأَصْلِ بِزِيَادَةِ يَعْنِي، وَكَأَنَّ الْعَدَدَ حُذِفَ مِنَ الْأَصْلِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَذَكَرَهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ وَأَتَى بِلَفْظِ يَعْنِي لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَزِيدٌ، أَوْ شَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِيهِ. وَقَدْ ثَبَتَ بِغَيْرِ لَفْظِ يَعْنِي فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَنْصَارِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ فِيهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِإِثْبَاتِهِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ) أَيْ: وَاحِدَةً فَصَاعِدًا، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَعَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ تَجِبُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ؛ لِزِيَادَةِ بَعْضٍ وَاحِدَةً، لِصِدْقِ الزِّيَادَةِ، وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرِكَةِ، وَيَرُدُّهُ مَا فِي كِتَابِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ: إِذَا كَانَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَزَكَاتُهُ بِالْإِبِلِ خَاصَّةً، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ رَجَعَتْ إِلَى فَرِيضَةِ الْغَنَمِ، فَيَكُونُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَشَاةٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ إِلَخْ)
(تَنْبِيهٌ): اقْتَطَعَ الْبُخَارِيُّ مِنْ بَيْنِ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ قَوْلَهُ: وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ آخِرُهُ فِي بَابِ الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِيهِ: يُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيُّهُمَا شَاءَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَقَوْلُهُ: وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَشْرَةً وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ إِسْحَاقَ، وَعَنْ مَالِكٍ يُلْزَمُ رَبُّ الْمَالِ بِشِرَاءِ ذَلِكَ السِّنِّ بِغَيْرِ جُبْرَانٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ جَعَلَ الشَّاتَيْنِ أَوِ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا تَقْدِيرًا فِي الْجُبْرَانِ لِئَلَّا يَكِلَ الْأَمْرَ إِلَى اجْتِهَادِ السَّاعِي لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى الْمِيَاهِ حَيْثُ لَا حَاكِمَ وَلَا مُقَوِّمَ غَالِبًا، فَضَبَطَهُ بِشَيْءٍ يَرْفَعُ التَّنَازُعَ كَالصَّاعِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَبَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ قَوْلُهُ: (وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ) وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى مَا حَذَفَهُ مِنْهُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (إِذَا كَانَتْ) فِي رِوَايَةٍ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِذَا بَلَغَتْ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ) فِي كِتَابِ عُمَرَ: فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي ذَلِكَ وَالتَّعْقِبُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الشَّاةُ الرَّابِعَةُ حَتَّى تُوَفَّى أَرْبَعَمِائَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، قَالُوا: فَائِدَةُ ذِكْرِ الثَّلَاثِمِائَةِ لِبَيَانِ النِّصَابِ الَّذِي بَعْدَهُ لِكَوْنِ مَا قَبْلَهُ مُخْتَلِفًا، وَعَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ كَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ وَاحِدَةً وَجَبَ الْأَرْبَعُ.
قَوْلُهُ: (فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةَ الرَّجُلِ).
(تَنْبِيهٌ): اقْتَطَعَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ بَيْنِ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ قَوْلَهُ: وَلَا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَاقْتَطَعَ مِنْهُ أَيْضًا قَوْلَهُ: وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ، وَكَذَا قَوْلَهُ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ، وَيَلِي هَذَا قَوْلُهُ هُنَا: فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةَ الرَّجُلِ إِلَخْ. وَهَذَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ الَّتِي فَرَّقَهَا